للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من غصب حيواناً فذبحه، فهل الذبح موجب للضمان؛ لأنه مفوت؟ وهو الذي درج عليه المصنف ورجح، وعليه فلربها تغريمه القيمة أو أخذها مذبوحة دون أرش ما نقصها الذبح، هذا هو المعتمد من المذهب، ونص ابن القاسم وفي المدونة: أن من غصب قمحاً فطحنه فهو مفوت وعليه مثل القمح، ومن أكل من شيء بعد فوته فلا غرم عليه، وهل يجوز بعد الفوات الأكل منه؟ الراجح في المذهب الجواز؛ ولذا أفتى بعض المحققين بجواز الشراء من لحم الأغنام المغصوبة إذا باعها الغاصب للجزارين فذبحوها لأنه بذبحها ترتبت القيمة في ذمة الغاصب، والله أعلم.

(وحافر بئر) بالجر عطف على "جاحد وديعة" (تعدياً) بأن حفرها في طريق الناس أو في ملك غيره بلا إذن أو في ملكه بقصد الضرر، فتردى فيها شيء، فإنه يضمن وأما في ملكه بلا قصد ضرر أو في الموات كذلك فهدر.

(ومكره) بكسر الراء اسم فاعل (غيره على التلف) فإنه يضمن، وكذا من أغرى ظالماً على تلف شيء أو أخذه من ربه فإنه يضمن.

(وقدم المباشر) على المتسبب عند الإمكان، فيقدم المكره، بالفتح في الضمان على المكره بالكسر، ويقدم الظالم على من دله أو أغراه على التلف ونحوه ويقدم المردي في البئر على الحافر لها.

(وفاتح حرز على حيوان) طيراً أو غيره (أو غيره) أي غير حيوان، كعسل وسمن من المائعات أو من الجامدات وتلف أو ضاع منه شيء (أو) فتح حرزاً كقيد أو باب على (رقيق) قيد أو غلق عليه (خوف إباقه) فإنه يضمن قيمته لربه. (إلا بمصاحبة ربه) له حين الفتح وعلمه فلا ضمان على الفاتح (إن أمكنه): أي أمكن ربه (حفظه لا) إن لم يمكنه (كطير) فتح عليه أو سائل كماء وعسل فيضمن، إذ لا يمكن عود ما ذكر عادة (ودال لص ونحوه) كظالم وغاصب ومكاس على مال فأخذه أو أتلفه، فإنه يضمن وقدم المباشر. فالأولى تقديم هذا على قوله: "وقدم المباشر".

(مثل المثلي)

ــ

خليل مجمل، فإنه قال أو أكل بلا علم.

قوله: [وأما من غصب حيواناً]: محترز قوله: "وأكل من طعام مغصوب علم" فإن موضوع ما تقدم طعام أكله الغاصب ومن معه بهيئته التي كان عليها عند ربه.

قوله: [أو أخذها مذبوحة] إلخ: وخيرته تنفي ضرره.

قوله: [وفي المدونة أن من غصب قمحاً] إلخ: هذا يعين ما قلناه أولاً من أن الطعام المتقدم أكل بالهيئة التي كان عليها عند صاحبه.

قوله: [فلا غرم عليه]: أي لكون الحرام لا يتعلق بذمتين.

قوله: [الراجح في المذهب الجواز]: أي كما رجحه ابن ناجي تبعاً لصاحب المعيار، ولو علم الآكل أن الغاصب لا يدفع القيمة؛ لأن دفع العوض واجب مستقل واعتمده في الحاشية، ولكن قال في الأصل: من اتقاه فقد استبرأ لدينه وعرضه أي لكونه من الشبهات وفي الحديث: «ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» الحديث.

قوله: [فتردى فيها شيء فإنه يضمن]: أي ولو لم يكن المقصود بالحفر.

قوله: [وكذا من أغرى ظالماً] إلخ: ظاهره الضمان وإن قصد بذلك دفع الضرر عن نفسه؛ لأنه لا يجوز له نفع نفسه بضرر غيره.

قوله: [ويقدم المردي في البئر على الحافر لها]: أي إلا أن يحفرها لمعين فرداه فيها غيره فسيان الحافر والمردي في القصاص عليهما في الإنسان المكافئ وضمان غيره.

قوله: [خوف إباقه]: مفهومه: أنه لو فتح قيد عبد قيد لنكاله فأبق لم يضمن، ولو تنازع ربه مع الفاتح فادعى ربه أنه إنما قيده لخوفه إباقه، وقال الفاتح: إنما قيدته لنكاله - ولم تقم قرينة على صدق واحد منهما - فالظاهر أن القول قول سيده؛ لأن هذا الأمر لا يعلم إلا من جهته، ومفهوم: "عبد" أنه لو فتح قيد حر قيد لئلا يأبق فذهب بحيث تعذر رجوعه فإنه يضمن ديته دية عمد.

تنبيه: قال التتائي ما نصه: وفي الذخيرة عن الموازية، إذا قلت له: أغلق باب داري فإن فيها دوابي، قال: فعلت: ولم يفعل متعمداً للترك حيث ذهبت الدواب لم يضمن؛ لأنه لا يجب عليه امتثال أمرك، وكذلك قفص الطائر، ولو أنه هو الذي أدخل الدواب أو الطائر القفص وتركهما مفتوحين وقد قلت له: أغلقهما، لضمن إلا أن يكون ناسياً؛ لأن مباشرته لذلك تصيره أمانة تحت حفظه، ولو قلت له: صب النجاسة من هذا الإناء، قال: فعلت؛ ولم يفعل، فصببت مائعاً فتنجست لا يضمن، إلا أن يصب هو المائع لما تقدم، ولو قلت: احرس ثيابي حتى أقوم من النوم، أو: أرجع من الحاجة، فتركها فسرقت ضمن لتفريطه في الأمانة، ولو غلب عليه نوم قهره لم يضمن، وكذلك لو رأى أحداً يأخذ ثوبه غصباً فإنه لا يضمن إن كان يخافه وهو مصدق في ذلك؛ لأن الأصل براءة ذمته وكذلك يصدق في قهر النوم له.

ولو قال لك: أين أصب زيتك؟ فقلت: انظر هذه الجرة إن كانت صحيحة فصب فيها ونسي النظر إليها وهي مكسورة ضمن؛ لأنك لم تأذن له إلا في الصب في الصحيحة، ولو قلت له: خذ هذا القيد فقيد هذه الدابة، فأخذ القيد ولم يفعل حتى هربت الدابة، لم يضمن؛ لأنك لم تدفع إليه الدابة، فلو دفعت إليه الدابة ضمن، وكذا لو دفعت إليه الدابة والعلف فترك علفها ضمنها ولو دفعت إليه العلف وحده فتركها بلا علف حتى ماتت جوعاً وعطشاً لم يضمن.

ولو قلت: تصدق بهذا على

<<  <  ج: ص:  >  >>