واعلم أن محل الرجوع بالغلة على غاصب أو موهوب أو وارث حيث كانت السلعة قائمة، فإن ربها إذا أخذها فله أخذ غلتها معها. وأما إن فاتت وأراد بها تضمين من ذكر قيمتها فلا غلة
لربها بل للغاصب أو وارثه أو موهوبه.
(ولا يجمع) المالك (بين) أخذ (قيمة وغلة): بل إما أن يأخذ القيمة ولا غلة له - وليس له أخذ القيمة إلا إذا فاتت - وإما أن يأخذها مع غلتها إن استغلت لغير مشتر بلا علم، ولا يعول على قول من قال: يجمع بينهما. هذا حكم الغاصب وهو من استولى على ذات شيء تعدياً بنية تملكها بلا مقابلة ومثله السارق والمحارب في الضمان المذكور.
وأما المتعدي فله أحكام تخصه (والمتعدي غاصب المنفعة) لا الذات (أو الجاني على بعض): أي جزء الذات؛ كأن يجني على يدها أو رجلها أو عينها (أو) على (كل بلا نية تملك) لذاتها؛ كأن يحرقها أو يقتلها أو يكسرها أو يحبسها، ومنه تعدي المكتري أو المستعير المسافة بلا إذن، وذهابه في طريق غير المأذون فيها.
قال ابن عرفة: التعدي هو التصرف في شيء بغير إذن ربه دون قصد تملكه.
(ولا يضمن) المتعدي (السماوي) بخلاف الغاصب (بل) يضمن (غلة المنفعة) التي أفاتها على ربه (ولو لم يستعمل): فأولى إن استعمل؛ بأن ركب أو سكن أو نحو ذلك، بخلاف الغاصب فإنه إنما يضمن غلة ما استعمل بالفعل.
(إلا الحر) إذا تعدى عليه، فلا يضمن غلته إلا إذا استعمله، لا إن حبسه حتى فاته عمل من تجارة أو خدمة أو صنعة فلا شيء فيه.
(و) إلا (البضع) إذا تعدى عليه (فيه): أي فبالاستعمال بالفعل يضمن في وطء الحرة مهر مثلها وفي الأمة ما نقصها الوطء لا إن لم يطأ وحبسها عن عمل أو تزويج بها أو حملها من زوجها أو سيدها فلا شيء عليه (كالغصب): لا يضمن فيه غلة إلا إذا استعمل.
(وإن تعدى المسافة) المأذونة (مستعير أو مستأجر) لدابة (بيسير، فالكراء) عليه لذلك الزائد ولا خيار لربها (إن سلمت وإلا) تسلم بأن عطبت أو تعدى بكثير مطلقاً (خير فيه): أي في أخذ كراء الزائد. (وفي) أخذ (قيمته) أي الشيء المستعار أو المستأجر (وقته): أي وقت تعدي المسافة؛ فالكراء في صورة واحدة، والتخيير في ثلاثة إذا تعدى في المسافة. وشبه في الخيار صورة واحدة، إذا تعدى بزيادة الحمل بقوله: (كزيادة حمل تعطب به) أي الشأن العطب به (وعطبت) بالفعل؛ فيخير بين أخذ كراء الزائد وقيمتها وقته. (وإلا) بأن سلمت أو زاد عليها ما لا تعطب به عطبت أم لا (فالكراء): أي كراء الزائد
ــ
شبهة الموهوب له.
قوله: [واعلم] إلخ: دخول على قوله ولا يجمع بين قيمة وغلة.
قوله: [ولا يجمع المالك بين أخذ قيمة وغلة]: أي على قول ابن القاسم في المدونة.
قوله: [وليس له أخذ القيمة إلا إذا فاتت]: فإن كان فواتها بيد الغاصب تعينت القيمة عليه لا غير، ولا يلزم موهوبه ولا المشتري منه شيء ولو كانا عالمين، وإن فاتت بيد غيره جرت على ما تقدم فتأمل.
قوله: [هذا حكم الغاصب]: اسم الإشارة عائد على ما تقدم من أول الباب إلى هنا.
قوله: [وأما المتعدي]: عقبه بالغصب لما بينهما من المناسبة من جهة أن في كل تصرفاً في الشيء بغير إذن ربه والمناسب أن يقول شرع فيها فقال: قوله: [أو على كل بلا نية تملك]: أي فحقيقة التعدي ألا يكون معه تملك سواء جنى على الكل أو البعض.
قوله: [أو المستعير المسافة]: أي المشترطة، وإنما كان تعدي المسافة تعدياً على الدابة؛ لأن المقصود بالتعدي الركوب والاستعمال الذي هو المنفعة والذات تابعة لا مقصودة بالتعدي.
قوله: [بخلاف الغاصب] إلخ: اعلم أن التعدي والغصب يفترقان في أمور: منها: أن الفساد اليسير من الغاصب يوجب لربه أخذ قيمة المغصوب إن شاء والفساد اليسير من المتعدي ليس لربه إلا أخذ أرش النقص الحاصل به، ومنها: أن المتعدي لا يضمن السماوي والغاصب يضمنه، ومنها: أن المتعدي يضمن غلة ما استعمل وما عطل بخلاف الغاصب فإنما يضمن غلة ما استعمل كما مر، واستظهر في الحاشية أن وثيقة الأرياف أقرب للتعدي من الغصب؛ لأنهم لا يقصدون التملك المطلق، لكن المأخوذ من المجموع أنه ليس من التعدي على المنفعة التي لا تضمن فيه الذات بالسماوي، بل تضمن ولا غلة إلا بالاستيفاء، ومحل قولهم: التعدي يوجب ضمان الغلة، وإن لم يستوف إذا كان التعدي على خصوص المنفعة، نعم التعييب اليسير فيه الأرش لا القيمة كما في الغصب فلينظر. اهـ. قوله: [فلا شيء فيه]: أي على المعتمد.
تنبيه: من باع حراً وتعذر رجوعه لزمته ديته لأهله دية عمد، وسواء تحقق موته أم لا قال (ح): ويضرب ألف سوط ويحبس سنة فإن رجع الحر رجعت لبائعه الدية.
قوله: [فالكراء في صورة واحدة]: هي ما إذا كانت الزيادة يسيرة وسلمت، ولا فرق بين التعدي في العارية والاستئجار، لكن في العارية كراء الزائد فقط، وفي الإجارة كراء الزائد مع الأصل.
قوله: [والتخيير في ثلاثة]: هي ما إذا عطبت في اليسير أو زاد كثيراً عطبت أم لا، وقد ترك صورتين تقدم التنبيه عليهما، وهما: إذا تعيبت في التعدي اليسير أو الكثير، وتقدم أن له الأكثر من كراء الزائد وأرش العيب.
قوله: [كزيادة حمل تعطب]: هذا التفصيل الذي ذكره الشارح طريقة لابن يونس، وأما طريقة ابن