للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أو صانع) يضمن (في مصنوعه) فقط، كثوب يخيطه أو حلي يصوغه أو خشبة ينشرها أو حب يطحنه. (لا) في (غيره) فلا ضمان فيه. كما لو جعل الشيء المصنوع في ظرف فادعى الصانع ضياعها، فإنه يضمن ما له فيه الصنعة لا الظرف (و) لو كان الغير (محتاجاً له) في العمل، فلا يضمنه كقفة الطحين والكتاب الذي ينسخ منه، هذا قول سحنون.

وقال ابن حبيب: يضمن الصانع ما لا يستغنى عنه سواء احتاج له الصانع أو المصنوع.

وقال ابن المواز: يضمن الصانع ما يحتاج إليه في علمه كالكتاب الذي ينسخ منه دون ما يحتاج إليه المصنوع كظرف القمح والعجين ويضمن الصانع مصنوعه (وإن) كان يصنعه (ببيته): أي في بيته (أو) كان يصنعه (بلا أجر) فأولى بأجر في حانوته وسواء تلف بصنعته أو بغيرها، إلا أن يكون في صنعته تغرير كثقب اللؤلؤ، ونقش الفصوص، وتقويم السيوف.

وكذا الختان وقلع الضرس والطب فلا ضمان إلا بالتفريط.

وإنما يضمن الصانع مصنوعه بشرطين أشار لهما بقوله: (إن نصب نفسه) للصنعة للناس، احترازاً عن الأجير لشخص خاص أو جماعة مخصوصين فلا ضمان عليه.

(وغاب) الصانع (عليه): أي على الشيء المصنوع احترازاً مما إذا صنعه بحضور ربه ولو في غير بيته أو بيت ربه -وإن لم يكن حاضراً- فلا ضمان عليه. وبقي ثلاثة شروط أيضاً:

وهو أن يكون المصنوع مما يغاب عليه، احترازاً من عبد يدفعه سيده لمعلم نصب نفسه فادعى هروبه فلا ضمان عليه.

وأن لا يكون في صنعته تغرير كما تقدم. وأن لا تكون له بينة بتلفه بلا تفريط.

وإذا ضمن: (فالقيمة) يضمنها (يوم دفعه) للصانع لا يوم التلف ولا يوم الحكم (إلا أن يرى) المصنوع عند الصانع (بعده): أي بعد يوم الدفع، فإن رئي بعده (فبآخر رؤية) وإذا كانت القيمة تعتبر يوم الدفع فلا أجرة للصانع. وكذا إذا اعتبرت بآخر رؤية ولم يكن مصنوعاً فإن كان مصنوعا ضمن قيمته مصنوعاً وعلى ربه الأجرة.

(ولو شرط) الصانع (نفيه): أي نفي الضمان عن نفسه فإنه يضمن ولا يفيده شرطه.

(وهو) شرط (مفسد) للعقد، ولأنه يناقض مقتضى العقد، (ففيه) إن وقع وعثر عليه بعد العمل (أجر المثل) قل أو كثر دون ما سمى (إلا أن تقوم له): أي للصانع (بينة) بضياعه أو تلفه بلا تفريط؛ فلا ضمان عليه وحينئذ (فتسقط الأجرة) عن ربه، لأنه لا يستحقها إلا بتسليمه لربه مصنوعاً. (أو يحضره) الصانع لربه مصنوعاً (على الصفة) المشترطة، فتركه عنده فادعى ضياعه فلا ضمان عليه؛ لأنه خرج حينئذ إلى حكم الإيداع. وهذا ما لم يتركه عنده رهناً في نظير الأجرة، وإلا كان حكمه حكم الرهن.

(وصدق) راع (إن ادعى ضياعاً) لبعض الماشية بلا تفريط (أو) ادعى (خوف موت) لبعضها (فنحر) أو ذبح، وخالفه ربه، وقال له: بل تعديت. (أو ادعى سرقة منحوره): أي قال: نحرتها لخوف موتها فسرقت، وخالفه ربها، وقال: بل أكلتها.

(وحلف) الراعي إن اتهم. ثم شرع في بيان ما يطرأ على الإجارة من فسخ وعدمه فقال:

ــ

حمل مثله بقية المسافة ويعطيه بقية الأجرة وهو الظاهر أو يفسخ العقد. اهـ.

قوله: [أو صانع] إلخ: معطوف على كراع.

قوله: [وإن كان يصنعه ببيته]: بالغ عليه دفعاً لما يتوهم من عدم ضمانه في هذه الحالة؛ لأنه لما عمل في بيته صار كأنه لم ينصب نفسه للعمل للناس.

قوله: [تغرير]: أي تعريض للإتلاف وهذا استثناء من قوله: وضمن صانع في مصنوعه، وكان الأولى للشارح أن يؤخر هذا الاستثناء بعد قوله: إلا أن تقوم له بينة فتسقط الأجرة أو يحضره على الصفة لأجل أن تكون الحالات التي لا يضمن فيها مجتمعة بعضها مع بعض.

قوله: [كثقب اللؤلؤ]: أي: وكذا خبز العيش في الفرن.

قوله: [إلا بالتفريط]: هذا إذا كان الخاتن والطبيب من أهل المعرفة ولم يخطئ في فعله، فإن أخطأ فالدية على عاقلته، فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب وفي كون الدية على عاقلته أو في ماله قولان: الأول لابن القاسم، والثاني لمالك وهو الراجح؛ لأن فعله عمد والعاقلة لا تحمل عمداً.

قوله: [فلا ضمان عليه]: محل عدم الضمان إذا ادعى التلف بالفعل المستأجر عليه وأتى بها تالفة، أما لو ادعى ضياعها أو تلفها ولم يأت بها فالضمان.

قوله: [إلا أن تقوم له] إلخ: فيه إشارة إلى أن ضمان الصناع ضمان تهمة ينتفي بإقامة البينة.

قوله: [لأنه لا يستحقها إلا بتسليمه]: أي وهو منتف فانتفت الأجرة.

قوله: [لأنه خرج حينئذ إلى حكم الإيداع]: أي ولا تسقط الأجرة لأنها بالتسليم وقد حصل.

قوله: [وإلا كان حكمه حكم الرهن]: أي يضمنه ضمان الرهان ولا تسقط الأجرة سواء ضمنه بالفعل أم لا.

قوله: [فنحر أو ذبح]: مقتضى تصديقه أنه إن خاف موتها وترك زكاتها حتى ماتت ضمنها بالأولى مما تقدم في باب الزكاة في قول خليل وضمن مار أمكنته ذكاته وترك.

قوله: [أو ادعى سرقة منحوره]: أي وأما لو قال: ذبحتها خوف الموت وأكلتها لم يصدق إذا كان محل الرعي قريباً وإلا صدق وينبغي أن محل عدم تصديقه ما لم يجعل له ربها أكلها وإلا صدق.

<<  <  ج: ص:  >  >>