للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وفسخت) الإجارة (بتعذر ما يستوفى منه) المنفعة: كدار وحانوت وحمام وسفينة ونحوها - وإن لم تعين حال العقد - ودابة عينت. والتعذر أعم من التلف؛ فيشمل الضياع والمرض والغصب وغلق الحوانيت قهراً وغير ذلك مما يأتي. وإذا فسخت رجع للمحاسبة باعتبار ما حصل من المنفعة وما لم يحصل وباعتبار المسافة طولاً وقصراً وسهولة وصعوبة.

(لا) تنفسخ بتعذر ما يستوفى (به): كالساكن والراكب وما حمل. وظاهره تعذر بسماوي؛ كموت لراكب أو ساكن أو بغيره بتفريط من الحامل؛ بأن فرط فتلف ما حمله من طعام أو غيره أم لا، وتقدم أنه إن فرط ضمن. وإذا لم تنفسخ قيل للساكن والراكب ورب الأحمال أو لوارثه: عليك جميع الأجرة وائت بمثل الأول لتمام المسافة أو المدة، وهو المشهور عند ابن رشد في المقدمات. والذي له في البيان: أن المشهور قول ابن القاسم في المدونة؛ وهو الفرق بين التلف بسماوي فلا تنقض الإجارة، ويأتيه المستأجر بمثله وعليه جميع الكراء، وبين تلفه من جهة الحامل فتنتقض ولا كراء له، وقيل: له من الكراء بقدر ما سار. وظاهره فرط أم لا، فانظره. وظاهر أن قول ابن القاسم في المدونة مقدم على غيره، فلو مشى عليه فقال: لأنه إن كان بسماوي.

وبالغ على قوله: "وفسخت" إلخ بقوله:

(ولو) كان التعذر (بغصب) لما يستوفى منه - داراً كانت أو غيرها - (أو غصب منفعة) لما يستوفى منه ولو لم يغصب الذات إذا كان الغاصب لا تناله الأحكام (أو أمر ظالم) لا تناله الأحكام (بإغلاق الحوانيت) المكتراة بحيث لا يتمكن مستأجرها من الانتفاع بها، ويلزم الظالم أجرتها لربها إذا قصد غصب المنفعة فقط.

ــ

تنبيه: مثل الراعي الملتقط فيصدق إن ادعى خوف موت فنحر، وأما المستأجر والمستعير والمرتهن والمودع والشريك فلا يصدق واحد منهم في دعوى التذكية لخوف الموت إلا بلطخ أو بينة، وإن كانوا يصدقون في التلف أو الضياع، ولعل الفرق بين هؤلاء والراعي مع كون الجميع أمناء تعذر الإشهاد من الراعي غالباً بخلاف هؤلاء فإنه لا مشقة عليهم في الإشهاد غالباً وأحرى من هؤلاء في الضمان من مر على دابة شخص فذكاها وادعى أنه فعل ذلك خوف موتها أو سلخ دابة غيره وادعى أنه وجدها ميتة فلا يصدق إلا ببينة أو لطخ.

قوله: [وفسخت الإجارة] إلخ: أشار بهذا إلى قول أهل المذهب أن كل عين يستوفي منها المنفعة فبهلاكها تنفسخ الإجارة كموت الدابة المعينة، وكانهدام الدار، وكل عين يستوفي بها المنفعة فبهلاكها لا تنفسخ الإجارة على الأصح كموت الشخص المستأجر للعين المعينة، ويقوم وارثه مقام مورثه إلا في أربع مسائل: صبيان وفرسان صبيا التعليم والرضاعة، وفرسا النزو والرياضة فحيث مات صبي التعليم أو الرضاعة انفسخت الإجارة ورجعا للمحاسبة، وكذلك فرس النزو إذا استؤجر الفحل على أربع مرات فحملت من مرتين أو ماتت قبل التمام انفسخت ورجعا للمحاسبة، وكذلك إذا استؤجر لفرس يروضها ويعلمها كيفية الجري فماتت فتنفسخ ويرجعان للمحاسبة.

قوله: [وإن لم تعين حال العقد]: أي فالتفصيل بين المعينة وغيرها إنما هو في الدابة، وأما الدار والحانوت والحمام والسفينة ونحو ذلك مما ليس بدابة فلا يشترط التعيين فيه ابتداء، بل متى تعذر شيء مما يستوفى منه انفسخت قالوا: لأن العقد عليها لا يكون إلا في معين، ولكن هذا لا يظهر في السفينة بل هي بالدابة أشبه، وكلام الشارح يقتضي تسويتها بالعقارات.

قوله: [أعم من التلف]: أي الذي عبر به خليل.

قوله: [رجع للمحاسبة] إلخ: أي فما حصل من المنفعة يلزمه أجرته بحسابه وما لم يحصل لا شيء عليه فيه، ولا فرق في هذا بين الدابة وغيرها.

وقوله: [وباعتبار المسافة]: خاص بتعذر السفينة والدابة المعينة، أي: فيرجعان فيهما إلى المحاسبة أيضاً وينظران لقيمة المسافة الماضية والباقية صعوبة وسهولة إلى غير ذلك.

قوله: [وما حمل]: أي المحمول غير الراكب.

قوله: [وتقدم أنه إن فرط ضمن]: أي ولا تنفسخ الإجارة على كل حال.

قوله: [أو لوارثه]: أي إذا مات الراكب أو رب الأحمال.

قوله: [فانظره]: قال (بن) نقلاً عن ابن رشد في المقدمات: إن في هلاك المستأجر عليه أربعة أقوال: أحدها وهو المشهور أن الإجارة لا تنتقض وإليه ذهب ابن المواز. والثاني تنتقض بتلفه، وهو قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم ويكون له من كرائه بقدر ما سار من الطريق، والثالث الفرق بين تلفه من قبل الحامل فتنتقض وله من الكراء بقدر ما سار وبين تلفه بسماوي فلا تنتقض ويأتيه المستأجر بمثله وهو قول مالك في أول رسم من سماع أصبغ. والرابع إن كان تلفه من قبل الحامل انفسخت ولا كراء له، وإن كان من السماء أتاه المستأجر بمثله ولم ينفسخ الكراء، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك. اهـ.

قوله: [ويلزم الظالم أجرتها] إلخ: أي كما تقدم في الغصب، ثم اعلم أن محل فسخ الإجارة بغصب العين المستأجرة إذا شاء المستأجر وإن شاء بقي على إجارته فإن فسخها كان لمالك الذات المغصوبة الأجرة على الغاصب وإن أبقاها من غير فسخ صار ذلك المستأجر الغاصب بمنزلة المالك فتكون الأجرة له فمعنى الفسخ في هذه المسائل أنها معرضة للفسخ لا أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>