للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي جعل مالك منفعة ذلك المملوك له لذاته، كما هو الغالب. بل (ولو) كان مملوكاً (بأجرة أو) جعل (غلته) كدراهم في نظير إجارة الوقف (لمستحق) متعلق بـ "جعل" (بصيغة) دالة عليه كـ حبست، ووقفت (مدة ما يراه المحبس) فلا يشترط فيه التأبيد. (مندوب) لأنه من البر وفعل الخير. وشمل قوله: "ولو بأجرة" ما إذا استأجر داراً مملوكة أو أرضاً مدة معلومة وأوقف منفعتها " - ولو مسجداً في تلك المدة - وما إذا استأجر وقفاً وأوقف منفعته على مستحق آخر غير الأول في تلك المدة: وأما المحبس عليه فليس له تحبيس المنفعة التي يستحقها؛ لأن الحبس لا يحبس.

نعم له أن يسقط حقه في ذلك الحبس مدة حياته أو مدة استحقاقه، فإذا مات أو انقضت مدة استحقاقه رجع لمن يليه في الرتبة. وأما ما يقع عندنا بمصر من أن المستحق لوقف أو الناظر على مسجد ونحوه يبيع الوقف بدراهم كثيرة ويجعل المشتري على نفسه لجهة المستحقين أو المسجد حكراً، ثم يوقف ذلك الوقف على زوجته وعتقائه، وإذا لم يوقفه باعه وورث عنه - ويسمونه خلواً - فهذا باطل بإجماع المسلمين. وبعض من يدعي العلم يفتيهم بجوازه ويسند الجواز للمالكية، وهي فتوى باطلة قطعاً. وحاشى المالكية أن يقولوا بذلك. وهذا معنى قول الخرشي: وهذا [١] ما لم يكن منفعة حبس لتعلق الحبس بها وما تعلق به الحبس لا يحبس كالخلوات، وأيضاً هي لا تدخل في قوله: "مملوك" إذ المراد مملوك لم يتعلق به حق لغيره [٢] اهـ.

وهو كلام حق لا شبهة فيه وتوضيحه على ما شاهدناه من أهل مصر؛ أن الحوانيت الموقوفة على المسجد الغوري والأشرفي والناصري وغيرها، يبيعها الناظر بثمن كثير، فيبيع الحانوت الواحد بنحو خمسمائة دينار لا لغرض سوى حب الدنيا والإعراض عن حب الآخرة. ثم إن المشتري منه يجعل على نفسه حكراً كل شهر نصفين فضة من الدراهم العددية ويسكنه أو يكريه كل يوم بعشرة أنصاف. وقد يوقفه على نفسه وزوجته وذريته من بعده وقد يبيعه وقد يوفي به ديناً عليه، فانظر إلى هذا الخبط [٣] الخارج عن قوانين الشريعة. ومن العجيب أن الشيخ أحمد الغرقاوي جعل لبعض القضاة رسالة في ذلك وجوز فيها مثل ما تقدم وصار الناس يفتون بجواز ما ذكر معتمدين على ما في الرسالة من الكلام الباطل، وهذا هو الذي قصد الخرشي رده بما تقدم عنه وبعضهم لم يفهم مراده

ــ

المجعول منفعتها إلخ، وشمل قوله المملوك ما جاز بيعه وما لا يجوز بيعه كجلد الأضحية وكلب الصيد والعبد الآبق خلافاً لبعضهم. قوله: [أي جعل مالك منفعة] إلخ: لفظ مالك هو الفاعل المحذوف.

وقوله: [له]: متعلق بالمملوك.

وقوله: [لذاته]: متعلق بمالك، والمعنى أن مالك ذات الشيء يجعل منفعته لمستحق ... إلخ، هذا إذا كان مالكاً للذات بثمن أو هبة أو إرث، بل ولو كان مالكاً لمنفعته بأجرة، فإن قلت وقف السلاطين على الخيرات صحيح مع عدم ملكهم لما حبسوه، قلت: هذا لا يرد على المصنف؛ لأن السلطان وكيل عن المسلمين فهو كوكيل الواقف، وللقرافي في الفروق إذا حبس الملوك معتقدين أنهم وكلاء الملاك صح الحبس، وإن حبسوه معتقدين أنه ملكهم بطل، وبذلك أفتى العبدوسي ونقله ابن غازي في تكميل التقييد، واحترز بقوله: "منفعة مملوك" من وقف الفضولي، فإنه غير صحيح ولو أجازه المالك لخروجه بغير عوض بخلاف بيعه فصحيح لخروجه بعوض، ومثل وقف الفضولي هبته وصدقته وعتقه فباطل ولو أجازه المالك كما في الخرشي خلافاً لبعضهم من جعل هذه الأشياء كالبيع إن أمضاه المالك مضى ولكن يرد على هذا الفرق طلاق الفضولي، فإنه كبيعه كما تقدم لنا في النكاح مع كونه بغير معاوضة إلا أن يقال يحتاط في الفروج ما لا يحتاط في غيرها.

قوله: [أو غلته]: معطوف على منفعة أي إن كان له غلة.

قوله: [فلا يشترط فيه التأبيد]: أي ولو كان الموقوف مسجداً كما يأتي.

قوله: [وفعل الخير]: تفسير لمعنى البر، قال تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: ٧٧].

قوله: [وما إذا استأجر] إلخ: معطوف على قوله ما إذا استأجر مسلط عليه شمل.

قوله: [لأن الحبس لا يحبس]: أي: ولأنه لا يملك تلك المنفعة لما تقرر أن الموقوف عليه إنما يملك الانتفاع لا المنفعة.

قوله: [نعم له أن يسقط حقه] إلخ: ظاهره جواز ذلك ولو بمال يأخذه لنفسه.

قوله: [رجع لمن يليه في الرتبة]: أي فيأخذه مجاناً بغير شيء وإن كان واضع اليد دافعاً لشيء من الدراهم ضاع عليه.

قوله: [من أن المستحق] إلخ: أي في الحالة الراهنة.

قوله: [لجهة المستحقين]: أي أن الذين يتجددون بعد هذا المستحق البائع.

وقوله: [أو المسجد]: راجع للناظر.

وقوله: [حكراً]: أي شيئاً قليلاً كالنصف والنصفين كل شهر كما يأتي.

قوله: [على زوجته وعتقائه]: أي مثلاً.

قوله: [إذ المراد مملوك]: إلخ: أي والموقوف تعلق به حق للموقوف عليه.

قوله: [وتوضيحه]: أي توضيح ما قاله الخرشي.

قوله: [لا لغرض]: أي شرعي.

قوله: [نصفين فضة]: كناية عن الشيء القليل.

قوله: [ويسكنه]: أي بنفسه وقوله بعشرة أنصاف راجع ليكريه.

قوله: [وقد يوقفه على نفسه]: أي مثلاً.

قوله: [الخارج عن قوانين الشريعة]:


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.
[٢] في ط المعارف: (لغير).
[٣] في ط المعارف: (الخيط).

<<  <  ج: ص:  >  >>