للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاعترض عليه، والحاصل أنه شاع عندنا بمصر أن الخلو يجوز عند المالكية دون غيرهم، ويجعلون منه ما تقدم ذكره، حتى لزم على ذلك إبطال الأوقاف وتخريب المساجد وتعطيل الشعائر الإسلامية. وكثيراً ما يقع في الرزق الكائنة بين الجيزة؛ تكون مرصدة على منافع زاوية الإمام الليث بن سعد أو على منافع زاوية الإمام الشافعي، فيبيعها الناظر على الوجه المتقدم. ثم إن المشتري قد يوقفها على نحو زاوية الإمام الشعراني وقد يوقفها على نفسه أيام حياته وبعده على ذريته، وربما باعها الناظر لذمي فأوقفها الذمي على كنيسة. وقد وقع هذا فإن رزقه [١] كانت موقوفة على مدرسة السلطان حسن باعها ناظرها على الوجه المتقدم لذمي ثم إن الذمي أوقفها على كنيسة، وكان المسلمون يزرعونها ويدفعون خراجها لأهل الكنيسة، ثم تغلب النصارى على المسلمين بواسطة أمراء مصر الضالين فنزعوها من أيدي المسلمين وصاروا يزرعونها. هذا في زماننا وانحط الأمر على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. نعم الخلو الذي وقعت الفتوى بجواز بيعه وهبته وإرثه، إنما هو في وقف خرب لم يجد الناظر أو المستحق ما يعمره به من ريع الوقف ولا أمكنه إجارته بما يعمره به، فيأذن لمن يعمره ببناء أو غرس على أن ما عمره به يكون ملكاً للمعمر وتفض الغلة بالنظر عليه وعلى الوقف؛ فما ناب الوقف يكون للمستحق وما ناب العمارة يكون لربها، فهذا ليس فيه إبطال الوقف ولا إخراجه عن غرض الواقف، وليس هذا مراد الشيخ الخرشي بما تقدم حتى يعترض به عليه فافهم ذلك، والله الموفق للصواب. وإذا علمت أن حقيقة الوقف ما ذكر:

(فأركانه أربعة):

الأول: (واقف وهو المالك للذات أو المنفعة) التي أوقفها قال في المدونة: ولا بأس أن يكري أرضه على أن تتخذ مسجداً عشر سنين فإذا انقضت كان النقض للذي بناه. وشرط صحة وقفه: أن يكون من أهل التبرع كما نبه عليه بقوله: (إن كان) الواقف (أهلاً للتبرع): وهو البالغ الحر الرشيد المختار، فلا يصح من صبي ولا مجنون ولا عبد ولا سفيه ولا مكره.

(و) الثاني: (موقوف: وهو ما ملك) من ذات أو منفعة (ولو حيواناً) رقيقاً أو غيره يوقف على مستحق للانتفاع بخدمته أو ركوبه أو الحمل عليه (أو طعاماً وعيناً) يوقف كل منهما (للسلف) وينزل رد بدله منزلة بقاء عينه. وجواز وقف الطعام والعين نص المدونة فلا تردد فيه. نعم قال ابن رشد: إنه مكروه، وهو ضعيف، فلذا اعترض على الشيخ في ذكر التردد. وأضعف منه قول ابن شاس: لا يجوز؛ إن حمل قوله لا يجوز على المنع: وعلى كل حال كلام ابن رشد وابن شاس خلاف مذهب المدونة فكان على الشيخ أن لا يلتفت لقولهما.

(و) الثالث: (موقوف عليه: وهو الأهل): أي المستحق لصرف المنافع عليه سواء كان حيواناً عاقلاً كزيد أو العلماء أو الفقراء أو غيره (كرباط وقنطرة) ومسجد، فإنها تستحق صرف غلة الوقف أو منافعه عليها لإصلاحها وإقامة منافعها (ونحو من سيولد) في المستقبل لزيد مثلاً فيصح الوقف عليه. وهو لازم لعقده على ما لابن القاسم، فتوقف الغلة إلى أن يوجد، فيعطاها. فإن حصل مانع من موت أو يأس منه رجعت للواقف أو وارثه، (ولو) كان الموقوف عليه

ــ

أي فهو مجمع على تحريمه.

قوله: [فاعترض عليه]: أي حيث مثل للوقف الفاسد بالخلوات قائلاً إن هذا التمثيل لا يصح؛ إذ المراد بالخلوات التي لا يصح وقفها هي التي استوفت الشروط مع أن التي استوفت الشروط يجوز فيها البيع والوقف والإرث والهبة ويقضى منها الدين وليس ذلك مراد الخرشي، بل مراده الخلوات الفاسدة التي بيعت لا لغرض شرعي.

قوله: [على منافع زاوية الإمام] إلخ: أي مثلاً.

قوله: [بجواز بيعه وهبته]: إلخ: أي وقفه.

قوله: [وإذا علمت]: أي من التعريف.

قوله: [أو المنفعة]: أي لما تقدم له أنه لا يشترط ملك الذات.

قوله: [على أن تتخذ مسجداً]: أي فالمكتري يوقفها مسجداً وقصد به الاستشهاد على وقف المنفعة.

قوله: [كان النقض للذي بناه]: ظاهر يفعل به ما شاء لكون الوقف انتهى أجله فلا يعطى حكم أنقاض المساجد المؤبدة.

قوله: [وهو البالغ]: أي المكلف لأنه سيخرج به الصبي والمجنون وباقي المحترزات على ترتيب اللف.

قوله: [ولو حيواناً]: رد بلو على ما حكاه ابن القصار من منع وقف الحيوان.

قال ابن رشد: ومحل الخلاف في المعقب أو على قوم بأعيانهم وأما تحبيس ذلك ليوضع بعينه في سبيل الله أو لتصرف غلته في وجه قربة فجائز اتفاقاً كذا في (بن).

قوله: [رقيقاً]: أي فيجوز وقف عبد على مرضى مثلاً لخدمتهم حيث لم يقصد السيد ضرره بذلك وإلا لم تصح، ومثل العبد الأمة على إناث وليس للواقف حينئذ الاستمتاع بها لأن منفعتها صارت بوقفها للغير كالمستعارة والمرهونة.

قوله: [يوقف كل منهما للسلف]: أي: وأما إن وقف مع بقاء عينه كوقفه لتزيين الحوانيت مثلاً فلا يجوز اتفاقاً إذ لا منفعة شرعية تترتب على ذلك.

قوله: [إن حمل قوله]: إلخ: قيد في قوله: أضعف منه.

قوله: [أو غيره]: معطوف على "حيواناً" وهو دخول على قوله: "كرباط" والمراد بالرباط: الثغر.

قوله: [ونحو من سيولد]: كلام مستأنف أي فلا فرق في الأهل بين أن يكون صالحاً


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (رزقة)، ولعلها الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>