(بنفسه أو بمن يثق به) لأمانته ولا ضمان عليه إن دفعها لأمين يعرفها.
(أو) يعرفها غيره (بأجرة منها، إن لم يلق) التعريف (بمثله) لكونه من أولي الهيئات؛ وإلا ضمن؛ كما لو تراخى في التعريف حتى هلكت (و) عرفها (بالبلدين إن وجدت بينهما) لأنهما حينئذ من مظان طلبها.
(ولا يذكر) المعرف (جنسها) من ذهب أو فضة أو ثوب أو نحو ذلك، بل بوصف عام كأمانة أو مال أو شيء، لأن ذكر جنسها الخاص ربما أدى بعض أذهان الحذاق إلى ذكر عفاصها ووكائها باعتبار العادة.
(ولا يعرّف) شيء (تافه) وهو ما لا تلتفت إليه النفس عادة؛ كدون الدرهم الشرعي وعصا وسوط، وكقليل من تمر أو زبيب وله أكله إذا لم يعلم ربه، وإلا منع وضمن. وتقدم أن ما فوق التافه إذا لم يكن له بال قوي؛ كالدلو والدينار والدرهم الشرعي يعرف أياماً بمقتضى النظر على قول الأكثر فالأقسام ثلاثة.
(وله): أي للملتقط (حبسها) أي اللقطة عنده (بعدها) أي السنة لعله أن يظهر صاحبها (أو التصدق بها) عن ربها أو عن نفسه (أو التملك) لها بأن ينوي تملكها، (ولو) وجدها (بمكة) فله أحد هذه الأمور الثلاثة. وقيل: إن لقطة مكة يجب تعريفها أبداً عملاً بظاهر الحديث ولا يجوز تملكها ولا التصدق بها.
(وضمن) الملتقط (فيهما) أي في التصدق بها ولو عن ربها وفي نية تملكها إذا جاء ربها (كنية أخذها) أي كما يضمن إذا أخذها بنية تملكها (قبلها) أي قبل السنة؛ لأنه بتلك النية صار كالغاصب فيضمنها لربها ولو تلفت بسماوي بعد تلك النية. وأولى لو نوى التملك عند التقاطها. (و) ضمن في (ردها لموضعها) الذي أخذها منه وأولى لغيره (بعد أخذها للحفظ) والتعريف، سواء ردها بعد بُعد أو قرب، وهو قول ابن رشد، وقال اللخمي: إن ردها بقرب فلا ضمان. وهذا معنى قول الشيخ: "إلا بقرب فتأويلان". ومفهوم للحفظ -أي التعريف- أنه إن أخذها بنية الاغتيال فلا ضمان بردها لموضعها مطلقاً لوجوب ردها عليه وأما لو أخذها ليسأل عنها معيناً فلا ضمان إن ردها بقرب لوجوب الرد عليه فوراً.
ــ
قوله: [بنفسه]: متعلق بتعريفها كما أن قوله "بمظان طلبها" كذلك لاختلاف معنى الباءين لأن الباء الأولى بمعنى في والثانية للآلة.
قوله: [ولا ضمان عليه إن دفعها لأمين] إلخ: أي وإن لم يساوه في الأمانة، والفرق بينه وبين المودع حيث يضمن إن أودع ولو أميناً لغير عذر أن ربها هنا لم يعينه لحفظها بخلاف الوديعة.
قوله: [إن لم يلق التعريف بمثله]: قيد في قوله "أو بأجرة منها".
قوله: [وإلا ضمن]: أي وإلا بأن كان ممن يعرف مثله واستأجر من يعرفها منها وضاعت منه ضمن وهذا القيد تبع فيه المصنف خليلاً التابع لابن الحاجب، ابن عرفة وظاهر اللخمي عن ابن شعبان أن للملتقط أن يدفعها لمن يعرفها بأجرة منها ولو كان ممن يلي تعريفها بنفسه إذا لم يلتزمه اهـ (بن).
قوله: [وعرفها بالبلدين] إلخ: قال اللقاني ظاهر كلامهم ولو كانت إحداهما أقرب من الأخرى، وينبغي إذا كانت أقرب إلى إحداهما من الأخرى قرباً متأكداً بحيث يقطع القاطع بأنها من هذه دون الأخرى أنه إنما يعرفها في التي هي أقرب.
قوله: [كأمانة]: مثل ذلك من ضاع له ضائع.
قوله: [ولا يعرف شيء تافه]: قدم أولاً أن ما له بال مما كان فوق الدينار ونحوه يعرف سنة ونحو الدلو والدينار يعرف الأيام وأفاد هنا أن التافه لا يعرف.
قوله: [وإلا منع]: أي وإلا بأن علم ربه وإنما منع أكله حينئذ لأنه لم يكن لقطة، بل من أكل أموال الناس بالباطل.
قوله: [أي للملتقط حبسها] إلخ: اعلم أن ما ذكره المصنف من تخيير الملتقط بين الأمور الثلاثة إذا كان غير الإمام، وأما الإمام فليس له إلا حبسها أو بيعها لصاحبها ووضع ثمنها في بيت المال، وليس له التصدق بها ولا تملكها لمشقة خلاص ما في ذمته. بخلاف غيره اهـ (عب).
قوله: [وقيل إن لقطة مكة] إلخ: أي كما هو للباجي وفاقاً للشافعي.
قوله: [عملاً بظاهر الحديث]: أي وهو قوله - عليه الصلاة والسلام -: «لا تحل لقطة الحاج»، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: «إن لقطتها لا تحل إلا لمنشد»، فقال الشافعي والباجي: إن الاستثناء معيار العموم ولذكر هذه الجملة بعد جملة لا تحل فيها أبداً وهي: «ولا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها»؛ أي لا يقطع حشيشها، والأصل تجانس المعطوفات في النفي الأبدي. وأجاب المشهور: بأن المراد لا تحل قبل السنة، وإنما نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك في مكة مع أن عدم حلها قبل السنة عام في مكة وغيرها لئلا يتوهم عدم تعريف لقطها بانصراف الحجاج فتأمل.
قوله: [وأولى لو نوى التملك] إلخ: اعلم أن الصور ثلاث: الأولى ما إذا رآها مطروحة فنوى أخذها تملكاً ثم تركها ولم يأخذها فتلفت. الثانية ما إذا نوى تملكها وأخذها فتلفت. الثالثة ما إذا أخذها للتعريف ثم نوى تملكها قبل تمام السنة؛ ففي الصورة الأولى لا ضمان عليه لأن نية الاغتيال وحدها لا تعتبر، وفي الثانية الضمان قطعاً لمصاحبة فعله لنيته، وفي الثالثة لا ضمان عليه عند ابن عبد السلام نظراً إلى أن نية الاغتيال مجردة عن مصاحبة فعله وقال غيره بالضمان نظراً إلى أن نية الاغتيال قد صاحبها فعل وهو الكف عن التعريف، وارتضاه (ح) ومشى عليه شارحنا. قوله: [والتعريف]: عطف تفسير.
قوله: [فلا ضمان بردها لموضعها]: أي بل الضمان بإبقائها لمخالفة