للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهي عرفاً: إخبار عدل حاكماً بما علم ولو بأمر عام ليحكم بمقتضاه، فقد لا تتوقف على تقدم دعوى؛ كإعلام العدول برؤيتهم الشهر فيحكم بثبوتها. ويترتب على حكمه أمور، كوجوب الصيام والوقوف بعرفة وتمام عدة أو كفارة أو تمام أجل لدين ونحو ذلك: وقولهم: حكم الحاكم يتوقف على دعوى صحيحة، مرادهم في المعاملات والخصومات؛ كالدين والقذف والقتل والعتق والنسب، وقد لا يتوقف؛ كرؤية الهلال وشرب الخمر والزنا، فإن البينة تكفي في ذلك وإن لم تتقدم دعوى من غيرها.

وأشار بشرط الشهادة بقوله: (شرط) صحة (الشهادة) عند الحاكم (العدالة) وهي الاتصاف بما يأتي ذكره (والعدل) هنا (الحر) ولو أنثى في بعض الأمور؛ كالمال والولادة فلا تصح شهادة رقيق ولو ذكراً. (المسلم) فلا تصح شهادة كافر ولو لكافر على كافر. (البالغ): فلا تصح من صبي إلا إذا شهد الصبيان بعضهم على بعض في القتل بشروط تأتي. (العاقل) فلا تصح من معتوه ومجنون لعدم ضبطه.

(بلا فسق) بجارحة؛ فلا تصح من الزاني والشارب والسارق ونحوهم وكذا مجهول الحال. (و) بلا (حجر) عليه لسفه فلا تصح من سفيه محجور عليه. (و) بلا (بدعة) ولو تأول (كقدري) وخارجي.

ــ

الباطل، وهو أحد معان تثنيته شاهدان وإليه أشار بعضهم في معنى قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: ١٨] أي بين، وقيل هي فيها بمعنى العلم انتهى قوله: [وهي عرفا إخبار عدل إلخ]: تعرض لتعريفها اصطلاحاً للرد على ابن عبد السلام القائل لا حاجة لتعريف حقيقتها لأنها معلومة، ورده ابن عرفة بقول القرافي أقمت ثمان سنين أطلب الفرق بينها وبين الرواية وأسأل الفضلاء عنه بتحقيق ماهية كل منهما فيقولون: الشهادة يشترط فيها التعدد والذكورة والحرية فأقول لهم اشتراط ذلك فرع تصورها حتى طالعت شرح البراهين للمازري فوجدته حقق المسألة فقال: هما خبران غير أن المخبر عنه إن كان عاماً لا يختص بمعين فالرواية كخبر: " إنما الأعمال بالنيات "، و: " الشفعة فيما ينقسم " بخلاف قول العدول عند الحاكم لهذا على هذا كذا إلزام لمعين لا يتعداه فالشهادة، ابن عرفة: حاصل ما قرره المازري أن الشهادة هي الخبر المتعلق بجزئي والرواية المتعلق بكلي وهو مردود بأن الرواية قد تتعلق بجزئي كخبر: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» وخبر تميم الداري في السفينة التي لعب بهم الموج فيها وذكر قصة الدجال إلى غيرها من أحاديث متعلقة بجزئي وكآية: {تبت يدا أبي لهب} [المسد: ١] ونحوها كثير انتهى.

إذا علمت ذلك فالحق في الفرق ما قاله (بن) وهو أن الخبر إما أن يقصد أن يرتب عليه فصل قضاء وإبرام حكم أم لا، فإن قصد به ذلك فهو الشهادة وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به تعريف دليل حكم شرعي يشرعه أو لا فإن قصد به ذلك فهو الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر انتهى وتعريف شارحنا يفيد ذلك. وقوله: "إخبار عدل" من إضافة المصدر لفاعله و "حاكماً" مفعوله وقوله: [بما علم]: أي إخبار ناشئ عن علم لا عن ظن أو شك. وهل يشترط في تأدية الشهادة لفظ أشهد بخصوصه أو لا يشترط؟ قولان: أظهرهما عدم الاشتراط بل المدار فيها على ما يدل على حصول علم الشاهد بما شهد به كرأيت كذا أو سمعت كذا أو لهذا عند هذا كذا فلا يشترط لأدائها صيغة معينة قوله: [حاكماً]: أي أو محكماً قوله: [ولو بأمر عام]: رد بالمبالغة على المازري ومن وافقه حيث خصوها بالجزئي. قوله: [كإعلام العدول برؤيتهم الشهر]: مثال للأمر العام. قوله: [يتوقف على دعوى]: أي على تقدم دعوى. قوله: [مرادهم في المعاملات إلخ]: أي من كل أمر لم يتمحض الحق فيه لله، وأما الأمور التي تمحض الحق فيها لله فلا تتوقف الشهادة فيها على تقدم دعوى، كما أفاده بعد، لأن الشهادة فيها حسبة فعليه أن يشهد وإن لم يستشهد.

قوله: [من غيرها]: أي من غير تلك البينة.

قوله: [بما يأتي ذكره]: أي وهي التي شرع فيها بقوله: "والعدل الحر" إلخ، ولو قال: وهي الاتصاف بما ذكره بقوله إلخ لكان أظهر.

قوله: [هنا]: يحترز به عن العدالة عند المحدثين فإنه لا يشترط فيها الحرية.

وقوله: [الحر]: أي ولو عتيقاً لكن إن شهد لمعتقه فله شرط آخر وهو التبريز.

قوله: [في بعض الأمور]: راجع للمبالغ عليه أي فالأنثى تعد من العدول وتقبل شهادتها في بعض الأمور التي مثل لها.

قوله: [والولادة]: أي ونحوها من كل ما لا يظهر للرجال.

قوله: [فلا تصح شهادة رقيق]: أي من فيه شائبة رق ولو قلت.

قوله: [ولو لكافر على كافر]: أي خلافاً لأبي حنيفة والشافعي حيث، قالا: يجوز شهادة الكافر على مثله.

قوله: [بشروط تأتي]: أي في قوله "وجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في جرح وقتل فقط" إلخ.

قوله: [العاقل]: أي حال التحمل والأداء معاً. بخلاف الحرية والإسلام والبلوغ فتشترط حال الأداء لا حال التحمل.

قوله: [وكذا مجهول الحال]: إنما خرج مجهول الحال بقوله "بلا فسق"، لأن الأصل في الناس الجرحة فيستصحب الأصل إلا لدليل يثبت الضد.

قوله: [فلا تصح من سفيه محجور عليه]: أي لأنه مخدوع. ومفهوم قوله: "محجور عليه" أن شهادة السفيه الغير المحجور عليه صحيحة.

قوله: [كقدري وخارجي]: القدري هو القائل بأن الأسباب تؤثر بقوة أودعها الله فيها وهو عاص وفي كفره قولان

<<  <  ج: ص:  >  >>