للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من كونه عمداً عدواناً (وفاعلاً) أي من كونه مكلفاً غير حربي ولا زائد حرية أو إسلاماً (ومفعولاً) من كونه معصوماً للإصابة بإيمان أو أمان، قال ابن عرفة: متعلق الجناية غير النفس إن أفاتت بعض الجسم فقطع، وإلا فإن أزالت اتصال عظم لم يبن فكسر وإلا فإن أثرت في الجسم فجرح وإلا فإتلاف منفعة. اهـ.

ولما كان قوله: "كالنفس" يقتضي من حيث الفاعل أنه يقتص من الناقص -كالعبد- إن جرح كاملاً كالحر استثنى ذلك منه بقوله: (إلا ناقصاً) لحرية أو إسلام (كعبد) أو كافر (جنى على طرف) أو منفعة (كامل كحر) أو مسلم (فلا قصاص) من الناقص على المشهور من المذهب، وهو قول الفقهاء السبعة، وعليه عمل أهل المدينة؛ لأن جناية الناقص على الكامل كجناية ذي يد شلاء على صحيحة، وإن كان يقتص منه في النفس كما مر، ودية الجرح في رقبة العبد وذمة الكافر فإن لم يكن فيه شيء مقدر فحكومة إن برئ على شين، وإلا فليس على الجاني المتعمد إلا العقوبة.

(وإن تعدد مباشر) على ما دون النفس (بلا تمالؤ) منهم (وتميزت) الجراحات: أي تميز وعلم فعل كل واحد منهم (فمن كل) يقتص (بقدر ما فعل) فإن تمالأوا اقتص من كل بقدر الجميع، تميزت أم لا، قياساً على قتل النفس من أن الجميع عند التمالؤ يقتلون بالواحد، وأما إذا لم تتميز عند التمالؤ، فهل يلزمهم دية الجميع ولا قصاص؟ أو يقتص من كل بقدر الجميع؟ فإذا كانوا ثلاثة قلع أحدهم عينه وقطع أحدهم يده والثالث رجله ولم يعلم من الذي فقأ العين ومن قطع الرجل ومن قطع اليد والحال أنه لا تمالؤ بينهم اقتص من كل بفقء عينه وقطع يده ورجله وفيه نظر؛ إذ لم يقع من كل واحد إلا فعل واحد.

ثم شرع في بيان ما يقتص منه مما دون النفس، وما لا يقتص منه بقوله: (واقتص من موضحة) بكسر الضاد المعجمة (وهي: ما أوضحت عظم الرأس) أي أظهرته (أو) عظم (الجبهة) ما بين الحاجبين وشعر الرأس (أو) عظم (الخدين) فما أوضحت عظم غير ما ذكر ولو بالوجه كأنف ولحي أسفل لا يسمى موضحة عند الفقهاء وإن اقتص من عمده ولا يشترط في الموضحة ما له بال واتساع بل (وإن) ضاق (كإبرة) أي كقدر مغرزها فيقتص منه.

(و) يقتص (مما قبلها) أي الموضحة من كل ما لا يظهر به العظم، وهي ستة بينها بقوله: (من دامية) وهي ما أضعفت الجلد حتى رشح منه دم بلا شق له، (وحارصة: ما شقت الجلد وسمحاق): بكسر السين: ما (كشطه [١]) أي الجلد عن اللحم، (وباضعة): وهي ما (شقت اللحم)، (ومتلاحمة) وهي ما (غاصت فيه بتعدد): أي في عدة مواضع منه ولم تقرب للعظم.

(وملطأة) بكسر الميم: وهي ما (قربت للعظم) ولم تصل له، وإلا فموضحة كما تقدم.

ــ

قوله: [من كونه عمداً]: أي قصداً.

وقوله: [عدواناً]: أي تعدياً يحترز عن اللعب والأدب فينشأ عنه جرح فلا قصاص فيه.

قوله: [غير حربي]: أي لأن الحربي لا يقتص منه بدليل أنه لو أسلم أو أمناه لا يلزمه شيء فيما فعله؛ وتقدم إيضاح تلك القيود أول الباب.

قوله [من كونه معصوماً]: أي من حين الرمي إلى حين التلف كما تقدم إيضاحه.

قوله: [إن أفاتت بعض الجسم]: أي أذهبته.

قوله: [لم يبن]: أي لم ينفصل بل بقي معلقاً ببعض العروق.

قوله: [وإلا]: أي بأن لم تحصل إفاتة بعض الجسم ولا إزالة اتصال عظم لم يبن.

قوله: [وإلا فإتلاف منفعة]: أي بأن لم تحصل إفاتة بعض الجسم ولا إزالة اتصال عظم لم يبن ولا غاصت في الجسم، وإنما أذهبت منفعة من الجسم مع بقائه على ما هو عليه.

قوله: [يقتضي من حيث الفاعل]: أي لأن الأصل في التشبيه أن يكون تاماً فأفاد بهذا الاستثناء أن التشبيه غير تام.

قوله: [من الناقص]: مراده بالناقص والكامل باعتبار المعنى لا باعتبار الحس، فإن الفرض أن الأعضاء متساوية في الجميع.

قوله: [كعبد]: مثال لنقص الحرية.

وقوله: [أو كافر]: مثال لنقص الإسلام.

قوله: [كجناية ذي يد شلاء]: أي تنزيلاً للنقص المعنوي منزلة النقص الحسي.

قوله: [كما مر]: أي في شرح قوله "ولا زائد حرية أو إسلام".

قوله: [فإن لم يكن فيه شيء مقدر]: أي من الشارع وستأتي ديات الجراحات التي قدرها الشارع.

وقوله: [فحكومة] إلخ: أي مال يحكم به القاضي بعد تقويم الذات المجني عليها سالمة ومعيبة، وينظر لما بين القيمتين فيحكم القاضي به على الجاني وسيأتي إيضاح ذلك.

قوله: [فمن كل يقتص بقدر ما فعل]: أي بالمساحة ولا ينظر لتفاوت العضو بالرقة والغلظ.

قوله: [وفيه نظر]: أي فالأظهر الأول. .

قوله: [ما بين الحاجبين وشعر الرأس]: مراده ما علا على الحاجبين وسفل عن شعر الرأس فيشمل الجبينين.

قوله: [لا يسمى موضحة عند الفقهاء] إلخ: قال البساطي إنما يظهر تعريف الموضحة بما ذكر باعتبار الدية، وأما باعتبار القصاص فلا فرق بين هذه وبين غيرها.

قوله: [ولا يشترط في الموضحة]: أي قصاصاً أو دية.

قوله: [بل وإن ضاق]: أي بل يثبت القصاص أو الدية وإن كان ضيقاً كإبرة إلخ.

قوله: [ويقتص مما قبلها]: أي من السابق عليها في الوجود الخارجي.

قوله: [وحارصة]: بحاء مهملة فألف فراء فصاد مهملتين.

قوله: [وباضعة]: بالضاد المعجمة والعين المهملة.

قوله: [أي في عدة مواضع]: أي بأن أخذت فيه يميناً وشمالاً.

قوله: [بكسر الميم]: أي وبالهمز.

قوله: [ولم تصل له]: حاصله أن الملطأة هي التي أزالت اللحم وقربت للعظم ولم تصل إليه بل بقي بينها وبينه ستر رقيق، فإن زال


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (كشطته)، ولعلها الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>