والنهي عن الشعور الزائد بالغربة قبل الثانية، والأمر بإحسان تعاهد النفس قبل الثالثة - تطلع المخاطب إلى معرفة الخبر، فنزل منزلة السائل المتردد، وأكد له الكلام بتأكيد واحد في كل جملة من الجمل الثلاثة - كما رأيت -
وقد جعل البلاغيون قصة بشار مع أبي عمرو بن العلاء وخلف الأحمر، أصلا في هذا الباب.
فقد روي عن الأصمعي أنه قال: كان أبو عمرو بن العلاء، وخلف الأحمر يأتيان بشاراً فيسلمان عليه بغاية الاعظام.
ثم يقولان: يا أبا معاذ، ماذا أحدثت؟ فيخبرهما. وينشدهما" ويكتبان عنه متواضعين له، حتى يأتي وقت الزوال، ثم ينصرفان، فأتياه يوماً، فقالا: ما هذه القصيدة التي أحدثتها في ابن قتيبة؟ قال: هي التي بلغتكما، قالا بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب، قال: نعم: إن ابن قتيبة يتباصر بالغريب، فأحببت أن أورد عليه ما لا يعرف قالا: فأنشدناها يا أبا معاذ فأنشدهما:
بكرا - صاحبي - قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير
حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلت - يا أبا معاذ - مكان (إن ذاك النجاح)(بكرا فالنجاح) كان أحسن، فقال بشار: إنما بنيتها أعرابية وحشية، فقلت:(إن ذاك النجاح).
كما يقول الأعراب البدويون، ولو قلت:(بكرا فالنجاح) كان هذا من كلام المولدين ولا يشبه ذلك الكلام، ولا يدخل في معنى القصيدة، قال: فقام خلف فقبل بين عينيه (١).