فقول بشار:"إنما بنيتها أعربية وحشية" دليل على أن تلك الطريقة في التعبير إنما هي طريقة الأعراب الخاص، الذين لم تدنس عربيتهم شوائب اللحن.
ومثل بيت بشار: قول بعض العرب:
فغنها - وهي لك الفداء - ... إن غناء الإبل الحداء
لما طلب الشاعر من مخاطبة الغناء للإبل، تطلعت نفسه إلى معرفة سبب هذا الطلب، فكأنه سأل: وهل غناء الإبل هو الحداء؟ فجاء الخبر مؤكداً بأن؛ لإزالة تردد مقدر عن المخاطب.
على أن التأكيد بإن بعد الأوامر والنواهي، إنما هو من خصائصها إذا كان مراداً بها إزالة تردد مقدر من المخاطب، لأنك ترى الجملة إذا هي دخلت بها ترتبط بما قبلها وتأتلف معه، وتتحد به حتى كأن الكلامين قد أفرغا إفراغاً واحداً، وكأن أحدهما قد سبك في الآخر هذه الصورة، حتى إذا جئت إلى (إن) فأسقطتها رأيت الثاني قد نبا عن الأول وتجافى معناه عن معناه، ورأيته لا يتصل به، ولا يكون منه بسبيل حتى تجيء بالفاء فنقول: بكرا - صاحبي قبل الهجير، فداك النجاح في التبكير، وغنها وهي لك الفداء فغناء الإبل الحداء، ثم لا ترى الفاء تعيد الجمليتن إلى ما كانت عليه من الألفة وترد عليك الذي كنت تجد بإن من المعنى (١).
وقد ينزل المنكر منزلة غير المنكر، وذلك إذا كان معه من الأدلة والشواهد ما إن نأمله ارتدع عن إنكاره وذلك كما تقول لمنكر الإسلام، (الإسلام حق) هكذا من غير تأكيد؛ لأن لديه من الأدلة الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما إن لارتدع عن إنكاره.