للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا شأن الحقائق الكبرى، والقضايا العظيمة التي تلقى دون احتفال بإنكار المنكرين أو اهتمام بتكذيب المكذبين، لأنها أرفع من أن تحاط بتأكيد أو تقرير.

ثم إن لهذا الأسلوب أثره الغالب في النفس حين تجد الكلام الذي يواجه الرفض والجمود خاليًا من الاحتفال والتوكيد، خافت النبرة هامسًا بالحقيقة في غير جلجلة وضجيج (١).

ويكثر هذا الأسلوب في القرآن الكريم:

استمع إلى قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (٢).

فهو خبر عظيم يفيد أن كل ما في السموات وما في الأرض من حيوان، ونبات، وجماد يسبح لذلك القدوس، وهو منكور عند الجاحدين، ولكن القرآن الكريم لم يعبأ بهذا الإنكار، وساق تلك الحقيقة الكبرى في هدوء واثق حكيم.

ومن هذا الأسلوب في الشعر قول أمير الشعراء - يرثي جدته - (٣):

خلقنا للحياة وللممات ... ومن هذين كل الحادثات

ومن يولد يعش ويمت كأن لم ... يمر خياله بالكائنات

ومهد المرء في أيدي الرواقي ... كتعش المرء بين النائحات

وما سلم الوليد من اشتكاه ... فهل يخلو المعمر من أذاه؟

هي الدنيا قتال، نحن فيه ... مقاصد للحمام وللقناة


(١) ... خصائص التراكيب صـ ٥٤.
(٢) ... الجمعة: ١.
(٣) ... الشوقيات جـ ٣ ص ٤٢.

<<  <   >  >>