للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه قول ابن خفاجة:

وإني إذا ما شاقني لحامة ... رنين وهزتني لبارقة ذكرى

لأجمع بين الماء والنار لوعة ... فمن مقلة ريا ومن مقلة حرى

فقد أراد بالرتين صوت الحمامة، وإنما هو الهديل والسجع والترجيع، والتطريب، فاستعمال الرنين في صوت الحمامة مجاز بتشبيه هديلها بالرنين، وإسناد الشوق إلى الرنين مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى سببه.

وفي هذا التجوز توضيح للأثر العميق الذي أحسه الشاعر بسماع صوت الحمام وكأنه هو الذي فعل فيه الشوق وأحدثه.

الرابع: ما كان المسند - فيه - مجازًا، والمسند إليه حقيقة، وذلك كما في قوله تعالى - حكاية عن زكريا عليه -: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (١).

أراد بالاشتعال، ظهور شيب الرأس، على سبيل الاستعارة التبعية، ليفيد معنى العموم والمفاجأة في الظهور، ثم أسند الاشتعال إلى الرأس؛ والرأس مكان الاشتعال لأن المشتعل هو الشعر، ليفيد بهذا الإسناد إحساسه بمعموم الشيب واستغراقه لجميع رأسه؛ وهو مجاز عقلي علاقته المكانية.

ومنه قول أبي الطيب:

وتحيي له المال الصوارم وألقنا ... ويقتل ما تحيي التبسم والجدا

فالشاعر يصف قوة بطش الممدوح، وبسطة كمفه بالعطاء، وانتزاعه


(١) ... مريم.

<<  <   >  >>