يصف الشاعر جملًا له؛ ويريد أنه يهتدي بنور عينه في الظلماء، ويمكنه بها أن يخرقها ويمضي فيها، ولولاها لكانت الظلماء كالسد والحاجز الذي لا يجد شيئًا يفرجه به، ويجعل لنفسه فيه سبيلًا.
فلولا أنه قال:(تجوب له)؛ فعلق (له) بتجوب "لما صلحت العين لأن يسند (تجوب) إليها، ولكنت لا تتبين جهة التجوز في جعل (تجوب) فعلًا للعين كما ينبغي؛ وكذلك لو قال: - مثلًا -: تجوب له الظلماء عينه؛ لم يكن له هذا الموقع، ولا اضطرب عليه معناه وانقطع السلك من حيث كان يعيبه حينئذ أن يصف العين بما وصفها به الآن (١).
على أن هذه التهيئة المجاز العقلي في قول الشاعر، "تجوب له الظلماء عين" شبيهة بما في قول أبي الطيب: (وتحيي له المال الصوارم والقنا)؛ فإن موقع (له) هنا سبيه بموقعها هنا لك.
رأيت أن المجاز هو فرع الحقيقة؛ وأن المجاز العقلي هو فرع الحقيقة العقلية؛ فهل يلزم في كل مجاز عقلي أن يكون للمسند فاعل على حقيقي في تقدير المتكلم؟ أم أن هذا الأمر ليس يلازم؟ إنك إذا ما راجعت تراكيب المجاز العقلي، وجدت منها ما يمكنك أن ترجع بالفعل فيه إلى فاعله الحقيقي، وذلك كما في قول الله تعالى:{فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} لأنه يمكنك أن تقول: فما ربحوا في تجارتهم؛ وكما قولهم: "أخرج الغيث النبات" فإنه يمكنك أن تقول؛ أخرج الله النبات بالغيث. وكما في قوله، (تجوب له الظلماء عين" فإنه يمكنك أن تقول: يجوب الجمل الظلماء بعينه.
ولكنك إذا فعلت ذلك كنت قد أذهبت من الكلام مزيته التي تجلت في النظم البلاغي، وأتيت بحديث مرذول، وقول مغسول - كما يقولون -.