للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن السكاكي قد أنكر المجاز العقلي ونظمه في سلك الاستعارة بالكناية، وأخرجه من علم المعاني وأدخله من علم المعاني وأدخله في علم البيان، ويقول في قولهم: "أنبت الربيع البقل": شبه الفاعل المجازي وهو الربيع، بالفاعل الحقيقي، وهو القادر المختار، في تعلق الفعل بهما، ثم يحذف المشبه ويرمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الإنبات على سبيل الاستعارة بالكناية (١).

واستنكر الخطيب القزويني ما ذهب إليه السكاكي من عده هذا الأسلوب من قبيل الاستعارة بالكناية، وإدخاله إياه في علم البيان، فأخرجه من علم البيان وضمه مرة أخرى إلى علم المعاني (٢).

وقد رد الخطيب القزويني كلام السكاكي ردًا قويًا، وأبطل رأيه بما يلي:

أولًا: أن قول السكاكي يستلزم أن يكون المراد بعيشة في قول تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} هو صاحب العيشة لا العيشة، وبما في قوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} فاعل الدفق لا الماء لأن السكاكي كي يجعل الفاعل المجازي مشبهًا بالفاعل الحقيقي، ثم يستعير اللفظ الدال على الشبه إلى المشبه به، أي أن العيشة مشبهة يصاحبها الذي هو الفاعل الحقيقي، ثم استعير لفظ العيشة إلى صاحبها، وهذه طريقة السكاكي في الاستعارة بالكناية، فيكون معنى العيشة هو صاحبها، وتؤول الجملة هكذا: فهو في صاحب عيشة، وهذا فاسد. ومثل هذا يقال في "ماء دافق" لأن الفاعل المجازي هنا هو: الماء، وهو على رأي السكاكي - مشبه بالفاعل الحقيقي وهو الشخص الدافق، ثم استعير لفظ المشبه وهو الماء إلى المشبه به وهو الشخص الدافق" وتؤول الجملة هكذا: خلق من صاحب ماء، وهذا فاسد لأن المراد هو بيان القدرة في خلقه من شيء مهين هو ماء مدفوق لا من صاحب الماء.


(١) ... شرح المختصر للتفتازاني جـ ١ ص ٥٩.
(٢) ... الإيضاح جـ ١ ص ٢٧٢.

<<  <   >  >>