للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثانية: إذا ذكروا الرجال وأداوا وصف أحوالهم، يقول عبد القاهر: "ومن المواضع التي يطرد فيها حذف المبتدأ: القطع والاستئناف، يبدءون بذكر الرجل، ويقومون بعض أمره، ثم به عون الكلام الأول، ويستأنفون كلامًا آخر، وإذا فعلوا ذلك أتوا في أكثر الأمر بخبر من غير مبتدأ" (١).

ولم يذكر لنا عبد القاهر سر بلاغة الحذف في هذا الموضع أيضًا، ولكننا نقول: إن مثل هذه الحال أن يكون فيها الشاعر مهتمًا بذكر من يمدحه، أو يذمه، يكون اهتمامه كله منصرفًا إليه، ويكون شغله الشاغل، ولهذا فإنه ليس في احتياج إلى ذكره، لأن الحديث عنه فذكره في مثل هذه الحال يكون من العبث، وهذا ما سماه المتأخرون من البلاغيين: الاحتراز عن العبث في ذكره لدلالة القرينة عليه:

يقول سلمة الجعفي يرثى أخاه (٢):

أقول لنفسي - في الخلاء - ألومها ... لك الويل ما هذا التجلد والصبر

ألم تعلمي أن لست ما عشت لاقيا ... أخي إذ أتى من دون أوصاله القبر

وكنت أرى كالموت من بين ليلة ... فكيف يبين كان ميعاده الحشر؟

وهون وجدي أنني سوف أفتدى ... على أثره يومًا وإن نفس العمر

فتى كان يعطي السيف في الروع حقه ... إذا ثوب الداعي أو تشفى به الجزر


(١) ... الدلائل المجاز ص ٩٦.
(٢) ... ديوان الحماسة جـ ١ ص ٤٥٥.

<<  <   >  >>