إلا أن نورهم لا يحجب، إن منزلتهم في الشرف كمنزلة القدح العلي. لأنه أشرفها، هذا غاية المدح في الشرف والنباهة.
ثم أستأنف الحديث فقال: بناه مكارم، أي هم بناة مكارم.
لأنه لما كان الحديث عنهم والشاعر مهتم كل الاهتمام ببيان مكانتهم عن قبيلتهم كان إعادة ضميرهم من العبث الذي ينبغي أن يترفع عنه الشاعر.
ومنه ما ذكره عبد القاهر - من قول أسيد بن عنقاء الفزاري، وكان من أشد أهل زمانه عارضه؛ ولسانًا، طال عمره ونكبه دهره واختلت حاله فخرج يتنقل لأهله فمر عليه عملية الغزاري فسلم عليه وقال: يا عم: ما أصارك إلى ما أرى؟ قال، بخل مثلك بماله، وصون وجهي عن أموال الناس، قال: أما والله لئن بقيت إلى غد لأغيرن ما أرى من حالك، فرجع ابن عنقاء إلى أهله فأخبرها بما قال له عميلة، فقالت لقد غرك كلام غلام جنح ليل، فكأنما ألقمت فاه حجرًا، فبات متمللًا بين رجاء ويأس، فلما كان السحر سمع رغاء الإبل، وثغاء الشاه، وصهيل الخيل ولجب الأموال؛ فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا عميلة ساق إليك أمواله، فخرج ابن عنقاء له فقسم ما له شطرين وساهمه عليه فأنشأ يقول:
وآني علي ما بي عميلة فاشتكى ... إلى حاله حالي، أسر كما جهر
دعاني فآساني ولو ضمن لم ألم ... على جين لأبدو يرجى ولا حضر
فقلت له خيرًا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أبليت من ذم أو شكر
ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردى رداء سايغ الذيل واتزر ص ١٨٢