للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من جمال المعاني قبل أن تكون زينة للألفاظ، فيقيم بهذا صرح البلاغة العربية على أسس متينة.

ويتلوه جار الله الزمخشري، فيطبق آراءه تطبيقاً عملياً - في كشافه ص ٣١ - على آيات القرآن الكريم، مضيفاً إليها ما عن له من خواطر وإضافات.

ولأن هذه الرحلة قد وضعت فيها أسس البلاغة النهائية، واكتمل فيها بنيان البحث البلاغي فإنها تعد بحق: "مرحلة ازدهار البحث البلاغي".

(٥)

ولكن البلاغة العربية - بعد هذين الإمامين - قد بدأت تنحدر من حالق انحداراً أخذ في الازدياد شيئاً فشيئاً حتى ارتطمت بمنطق السكاكي المتوفى سنة ٦٢٦ وفلسفته، وظلت حبيستهما قروناً طويلة، وأجيالاً عديدة.

ومُني الشعر العربي منذ المائة السابعة حتى العصر الحديث بطائفة من الشعراء كل عتادها ألوان من البديع محفوظة، فإذا ما قالوا شعراً سلكوا به مسالك التكلف والتصنع، ووجهوا عنايتهم إلى رص ألوان البديع فيما عرف باسم البديعيات، وهي في حقيقتها عبث ظاهر أضعف من متانة الشعر وهد من قوته، وأورده موارد التكلف الثقيل.

ثم هي من ناحية أخرى قد شعبت ألوان البديع وفرعته حتى ظن بعضهم أنها لا تحصى عدداً، كما أنها قد خلطت الغث بالثمين، فعدت في البديع ما هو جدير بأن يكون مقبحاً لا محسناً! .

ولأن هذه المرحلة المظلمة من مراحل البحث البلاغي قد وقعت بين منطق العلماء وفلسفتهم من جهة، وبين صنعة الشعراء وتكلفهم من جهة أخرى فإنها "مرحلة البحث البلاغي بين المنطق والتكلف".

<<  <   >  >>