للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن شواهدهم على استعمال "غير" هذا الاستعمال، قول أبي الطيب يمدح سيف الدولة ويعرض بأصحابه الذين خذلوه وجبنوا في إحدى غزواته (١):

غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ... إن قاتلوا جبنوا، أو حدثوا شجعوا

أهل الحفيظة إلا أن تجربهم ... وفي التجارب بعد الغي ما يزع

يقول: أنا لا أنخدع بهؤلاء الناس؛ لأنهم إن قاتلوا جبنوا وانهزموا، وإذا حدثوا أظهروا الشجاعة، فشجاعتهم قول لا فعل، ووهم كاذب، وهم أهل حفيظة غير مجربين فإذا جربتهم لم ترهم كذلك، وفي تجربتهم ما يكفك عن مخالطتهم.

فالشاعر يقصد أنه لا ينخدع بالناس، دون أن يعرض بآخر ينخدع بهم.

ومثله قول أبي تمام:

وغيري بأكل المعروف سحتاً ... وتشحب عنده بيض الأيادي

يريد: أنه لا يجحد الصنيعة، ولا يتنكر للمعروف، دون أن يعرض بآخر يفعل ذلك.

وإنما كانت الكناية أبلغ، لأنها كدعوى الشيء ببينة - كما يقول عبد القاهر - لأن قولك: "فلان كثير الرماد، معناه: فلان جواد، لأنه كثير الرماد.


(١) ديوان أبي الطيب، ج ٢، ص ٢٢١ ..

<<  <   >  >>