للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك قولك: (مثلك يرعى الود) معناه: أنت ترعى الود، لأن من كان على صفاتك يرعاه.

وقولك: (غيرك لا يحفظ العهد) معناه: أنت تحفظ العهد، لأن غير لا يحفظه.

ولما كان الغرض من التعبير الكنائي في "مثل"، و"غير" هو إثبات الحكم من طريق أبلغ، وكأن تقديمها مما يعين على تحقيق هذا الغرض - لما علمت من أن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي يفيد تقوية الحكم وتقريره في نفس السامع - كان لهما الصدارة في الكلام أبداً.

ولهذا فإنهما لم يردا في استعمالاتهم إلا مقدمين، بل إن عبد القاهر يرى أن استعمالهما مقدمين شيء مركوز في الطباع، وجار في عادة كل قوم، لأنك لو تصفحت الكلام - على حد تعبيره - لوجدت هذين الاسمين يقدمان أبداً على الفعل - إذا نحى بهما هذا النحو الذي عرفت - وترى المعنى لا يستقيم معهما إذا لم يقدما (١).

ويلحقون بهذا الباب: تقديم لفظ العموم على النفي، إذ يفيد عموم النفي "وتأخيره عنه"، فيفيد نفي العموم فمثال الأول: قولك (كل ما كتبته لم أقرأه)، ومثال الثاني: (لم أقرأ كل ما كتبته).

فقد أفاد التركيب الأول: عموم النفي، أي أنك لم تقرأ شيئاً مما كتب، وأفاد التركيب الثاني: نفي العموم، أي أنك لم تقرأ كل ما كتب، ولكنك قد قرأت بعضه.


(١) دلائل الإعجاز، ص ٩٣.

<<  <   >  >>