الثانية: هي الصحافة، لأنها تخاطب الجماهير، فلا مندوحة لها من التبذل والتبسط والإسفاف، مراعاةً للموضوعات التي تكتب فيها، والطبقات التي تكتب لها، فطغت العامية، وفشت الركاكة، وفسد الذوق وأصبحت العناية بجمال الأسلوب تكلفاً، والمحافظة على البلاغة رجعة إلى الوراء! .
الثالثة: هو التطفل؛ فقد تكلفت فئة من أرباب المناصب ما ليس في طباعهم من صناعة البيان، فوقعوا في النقص وهم يريدون الكمال، ودفعهم إصرارهم على أن يعدوا من كبار الكتاب - مع ما فيهم من تخلف الطبع وجمود القريحة وضعف الأداة - إلى مشايعة الجهلاء في تنقص البلاغة.
وتكلم في حد البلاغة وأورد عدداً من تعريفاتها عند العرب والأجانب، فوجد بينهما تشابهاً، وانتهى إلى أن البلاغة: "ملكة يؤثر بها صاحبها في عقول الناس وقلوبهم عن طريق الكتابة أو الكلام، فالتأثير في العقول عمل الموهبة المعلمة والمفسرة، والتأثير في القلوب عمل الموهبة الجاذبة والمؤثرة ومن هاتين الموهبتين تنشأ موهبة الإقناع على أكمل صورة.
وقد رأى أن طالب البلاغة في حاجة إلى ألوان كثيرة من الثقافة. وأقل ما يجب عليه درسه هو: اللغة، والطبيعة والنفس، وذلك لأن اللغة هي أداة القول والكتابة، والطبيعة هو كتاب الفنان الجامع، إذ منها معادته، وعنها اقتباسه ووحيه، وفيها دليله ومثاله، ومنها أخيلته وصورته، والنفس هي الينبوع الثر لما يزخر به الشعر والنثر من مختلف الغرائز والعواطف والأفكار والأحاسيس.
كما رأى أن اختلاف النقاد بين أنصار للفظ، وأنصار للمعنى قد جنى على البلاغة، لأن الذين فسدت فيهم حاسة الذوق أهملوا جانب اللفظ، والذين ضعفت فيهم ملكة العقل غضوا من شأن المعنى، فضلوا جميعاً طريق الأسلوب الحق.