يقول: مات ابن سعيد بعد أن خلد جميل الذكر في المشارق والمغارب يمدحه فيها المادحون، وما كنت أعلم قدر مكارمه وعطاياه إلا بعد أن مات وظهر البؤس على من كانوا مغمودين بنعمه؛ فأصبح في جزء صغير من الأرض بعد موته، مع أن فيافيها كانت لضيق بما له من إحسان وإنعام في حياته. سأديم البكاء عليك ما فاضت دموعي، فإن تذهب فيكفيك ما تكنه ضلوعي من اللوعة والأسى، فإن مصيبتي فيك عظيمة فلست جازعاً لما يصيبني بعدها، ولا فارحاً بما أنال من مسرات، كأنه لم يمت أحد سواك من قبلك ولا من بعدك، فلا يجد الإنسان سلوة به عنك، وكأن اللوائح لا تنوح إلا عليلا لغظم المصيبة فيك. ولئن كنت ترثر اليوم رثاء جميلاً، فيا طالما مدحت من قبل مدحاً جميلاً.
فالشاعر ينعي إلى المشرقين ابن سعيد: ذلك الفتى الذي كثرت مكارمه وتعددت عطاياه، مشيداً بذكره متحسراً على فقده، فناسب أن يتحدث عنه بضمير الغائب. ولكنه لما التفت إليه مخاطباً له باكياً متولها على فراقه جازعاً عليه، كأنه لشدة حرصه على ألا يفارقه ما زال أمامه، يحدثه فيسمع منه، ولا يغيب عن ناظريه.
وقال سليمي بن ربيعة من بني السيد بن ضبة عندما فارقته زوجته تماضر عاتبة عليه استهلاك ماله وتعريض نفسه للمعاطب (١):