للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلكم هي اقتراحات بعض المعاصرين لدراسة البلاغة من جديد، وهي - كما رأيتم - منصبة على دراسة البلاغة من خلال النقد الأدبي، وإعادة تنظيم التراث النقدي البلاغي للغة العربية وهي محاولات جد مخلصة وصادقة تستهدف النهوض بالبحث البلاغي.

بيد أنها قد نسيت أن أجدى دراسة كانت للبلاغة، هي دراسة عبد القاهر الجرجاني تلك الدراسة التي لم تفرق بين البلاغة والنقد الأدبي، والتي عالجت فيها موضوعات البلاغة معالجة أمينة جادة، خالصة من شوائب المنطق أو الفلسفة، اللهم إلا فلسفة النفس الإنسانية وأحوالها حين تعتريها أريحية استقبال اللطائف البلاغية والمزايا البيانية.

وقد علمتم ما رأيناه من أن عبد القاهر لم يقسم البلاغة إلى علومها التي نراها اليوم، بل إنه كان ينظر إليها على أنها علم واحد، وإن تعددت قضاياه وتفرعت مسائله.

ولهذا: فإننا نرى أن البلاغة العربية يجب أن يسلك بها السبيل الذي سلكه عبد القاهر الجرجاني في "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" لدراسة علم البلاغة، وتقوم هذه الدراسة على أن نظرية النظم هي أساس البلاغة، وعن هذه النظرية تتفرع المعاني البلاغية التي نستلهمها من نظم الكلام، وهذه المعاني تدرس فيما سمي "بعلم المعاني" - وإن لم يكن بنا حاجة إلى مثل هذه التسمية.

كما أن الصور البيانية التي تصاغ من هذه المعاني المستوحاة من النظم تبرز المعنى الذي يقصده المتكلم وتوضحه، وهي صور التشبيه، والمجاز، والكناية، التي تدرس فيما سمي بعلم البيان - وإن لم يكن بنا حاجة إلى مثل هذه التسمية.

على أن ألوان البديع داخلة هي الأخرى في الصميم من مسائل البلاغة

<<  <   >  >>