له أن يأنف من هذه الرزيلة وإن لم يكن زاجر شرعى، ووجه التبشيع هو أن مضمون الآية هو النداء بأن أمته خير منه لأنها أثرت التحصن عن الفاحشة وهو يأبى إلا إكراهها. ولو أبرزت مكنون هذا المعنى لم يقع الزاجر من النفس موقعه - هكذا يقول ابن المغير صاحب كتاب الأنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال (١).
وأما موضع اختلافهما: فهو أن الأصل في " إن " أن تستعمل في المعنى الذي يشك المتكلم ويتردد في وقوعه، ولهذا كان الحكم النادر وقوعه موقعاً لها، وغلب دخولها علي المضارع لعدم دلالته علي الوقوع قطعا.
وأما " إذا " فإن الأصل فيها: هو أن تستعمل في المعنى الذي يجزم بوقوعه أو يغلب على رأيه وقوعه ولهذا كان الحكم الكثير الوقوع موضعاً لها وغلب دخولها علي الماضي لكونه أقرب إلى القطع بالوقوع باعتبار لفظه، وان كان باعتبار معناه استقباليا، لأن "إذا" الشرطية لقلب الماضي إلى المستقبل.
وبما ذكروه شاهداً علي ما أسلفناه لك من موضعي الاتفاق والافتراق قول اله تعالي:{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} فمعنى الآية - والله أعلم بمراده - إذا وفاهم منا إحسان قالوا: هذا خير اختصنا الله به لكمال ديننا وصالح أعمالنا، وإن يصابوا بجدب وبلاء تشاءموا بموسى ومن معه، وقالوا: هذا شر لحقنا بسببهم لنقصان دينهم وسوء أعمالهم والشاهد هنا: هو التعبير (بإذا) في جانب الحسنة، و (بإن) في جانب السيئة.