للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد استعملت (إذا) في المعني المجزوم بوقوعه أو المظنون وقوعه - وهو مجيء الحسنة، لأن المراد بها: مطلق الخبر، كالخصب والنماء، وصحة الأبدان، وكثرة الفصل، وغيرها مما هو خير، وربما كان تعريفها (بأل) الجنسية مشيراً إلى هذا المعنى، لأن جنس الحسنة يشمل جموع أنواع الحسنات، فوقوع أي فرد منها مقطوع به عادة لكثرتها، ولهذا جاء التعبير بلفظ الماضي الدال علي الوقوع قطعا في جانب إذا.

وقد استعملت (إن) في المعنى غير المجزوم بوقوعه، وهو مجيء السيئة لأن المراد بها نوع خاص من أنواعها وهو الجدب، والضيق، والنوع الخاص غير محقق الوقوع، لاحتمال وقوع نوع آخر، وربما كان تنكيرها مشيراً إلى هذا المعنى، لأن من معانى التنكير التقليل، وهو مؤذن بعدم الجزم بالوقوع.

ومنه قول الله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فقد عبر في جانب الرحمة (بإذا) وفي جانب السيئة (بإن) مشيراً بذلك إلى أن الله تعالى واسع الرحمة، فياض بالخير لا يريد إلا ما فيه صلاح للناس وإسعادهم، لأن جانب الخير منه

تعالي أقرب إلى التحقق.

ولعلك قد لحظت أن الله تعالي قد عبر بالإذاقة في جانب الرحمة، وبالإصابة في جانب السيئة، وذلك لأن الرحمة، وكل ما هو متعة ولذة إنما يناسبه الإذاقة والإطعام، كما أن السيئة، وكل ما هو ضرر وأذى إنما يناسبه الإصابة والابتلاء.

وللفرق الذي رأيته واضحا بين موضع استعمال (إذا) وموضع استعمال (إن) عابوا علي عبد الرحمن بن حسان قوله يخاطب بعض الولاة بعد أن سأله حاجة فلم يقضها، ثم شفع له فقضاها:

<<  <   >  >>