ذممت ولم تحمد، وأدركت حاجتي ... قولي سواكم غيرها واصطناعها.
أبى لك كسب الحمد رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باغها.
إذا هي حنته علي الخير مرة ... عصاها، وإن همت بشر أطاعها.
فقالوا: عبر (بإذا) في موضع (إن) وعبر بأن) في موضع (إذا) ولو عكس لأصاب، لأن الشر من النفس أقرب إلى التحقق من الخير، فكان من المناسب أن يعبر (بإذا) الدالة علي تحقيق الوقوع في جانب الشر، وأن يعبر (بأن) الدالة علي عدم الجزم بالوقوع في جانب الخير، ليتوافق اللفظ والمعنى.
وربما يلتمس لهذا الصنيع من الشعر نكتة لطيفة وهي: أنه أشار (بإذا) إلى معني التحقيق في حث نفس الوالي إياه علي فعل الخير، وهو - مع ذلك - يعصيها، كما أنه أشار إلى معنى توهم نفسه للشر، وهو - مع ذلك - يبادر إليه، وهذا أبلغ في الذم والهجاء.
وقد تخرج (إن) عن أصلها الذي أسلفناه لك، فتستعمل في المعنى المجزوم به لنكتة بلاغية:
وذلك كالتجاهل - إذا اقتضي المقام ذلك - كما في قول الله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} فنفي الولد عن الله تعالى أمر مجزوم به، ولكنه استعمل فيه (إن) التي تفيد الشك والتردد تجاهلا حتى لا يصطدم بالمعاندين، لأنه يريد التنزل معهم، والمساهلة وإرخاء العنان لهم: ليرتب علي كلامه مالا يستطاع نقضه، فتلزمهم الحجة.