للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[- مكانته العلمية]

بدأ الشيخ أبو السعود حياته في الاشتغال بالتدريس، فتولى التدريس فى كثير من المدارس، ثمَّ بعد ذلك اشتغل بالقضاء عدة سنوات، ثم تولى أمر الإفتاء بعد ذلك، فقام بها خير قيام بعد أن اضطرب أمرها بانتقالها من يد إلى يد، وكان ذلك سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة من الهجرة (٩٥٢ هـ)، ومكث فى منصب الإفتاء نحواً من ثلاثين سنة، أظهر فيها الدقة العلمية التامة، والبراعة فى الفتوى والتفنن فيها، وقد ذكروا عنه أنه كان يكتب جواب الفتوى على منوال ما يكتبه السائل من الخطاب، فإن كان السؤال منظوماً، كان الجواب منظوماً كذلك، مع الاتفاق بينهما فى الوزن والقافية، وإن كان السؤال نثراً مسجعاً، كان الجواب مثله، وإن كان بلغة العرب فالجواب بلغة العرب، وإن كان بلغة العجم أو الروم، فالجواب بلغة السؤال ... وهكذا مما يشهد للرجل بسعة أُفقه وغزارة مادته. وَكَانَ لَهُ فِي الْأَلْسِنَة الثَّلَاثَة شعر بديع.

وسيقت إليه الركائب من كل قطر، وازدحم على بَابه الوفود، حتى قال: جَلَست يَوْمًا بعد صَلَاة الصُّبْح أكتب على الأسئلة المجتمعة فَكتبت إِلَى صَلَاة الْعَصْر على ألف وَأَرْبَعمِائَة واثني عشرَة فتيا.

وَلما جمع السُّلْطَان (١) مجموعة من الْعلمَاء بمجلسه وَأمرهمْ بالمناظرة، رجح شأن الإمام أبي السعود، وَتبين فَضله، فاستحق التَّقْدِيم، وَكَانَ أَهلا له. وتناهت عَظمته فِي الممالك الرومية، وَصَارَ الْمرجع في جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالْعلمِ.

وترك الإمام أبو السعود مصنفات جليلة، وقد اتصفت مصنفاته بالدقة البالغة، وفصاحة العبارة، وأعربت عن معرفة كبيرة، واطلاع واسع، فلا عجب أن يمدحها العلماء بعد ذلك، وأن يعول عليها العلماء والباحثون، وطلبة العلم. (٢)

* * * * * * * * * *


(١) السلطان الذي عاش الإمام أبو السعود في حياته هو السلطان سليمان خان، المتوفى: ٩٧٤ هـ، وقد أدرك الإمام أبو السعود ولاية ابنه السلطان سليم خان فأكرمه إكراما عظيما، ثم توفي الشيخ في مدة ولايته.
ينظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية (٨١) [لمحمد بن عبد الحي اللكنوي ت: ١٣٠٤ هـ، تصحيح: السيد محمد بدر الدين، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت].
(٢) ينظر: الشقائق النعمانية (١/ ٤٤٠)، النور السافر (١/ ٢١٦)، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (١/ ٢٦١) [لمحمد بن علي الشوكاني: ١٢٥٠ هـ، دار المعرفة - بيروت]، التفسير والمفسرون (١/ ٢٤٥) [لد/ محمد السيد الذهبي ت: ١٣٩٨ هـ، مكتبة وهبة، القاهرة].

<<  <   >  >>