القول الثالث: قاله السجاوندي: إنه معطوف على {الشَّهْرِ}. وهو رأي الفراء في " معاني القرآن " (١/ ١٤١)، والإمام الراغب الأصفهاني في تفسيره (١/ ٤٤٧). وقد فصل المفسرون - من قبل- هذا القول والرد عليه. ينظر: تفسير الطبري (٤/ ٣٠١)، مفاتيح الغيب (٦/ ٣٨٩)، الدر المصون (٢/ ٣٩٦). ونذكر ملخصا رد الإمام أبو حيان في " البحر المحيط " (٢/ ٣٨٦): " وَكَوْنُهُ مَعْطُوفًا عَلَى {الشَّهْرِ} مُتَكَلَّفٌ جِدًّا، وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَظْمُ الْقُرْآنِ، وَالتَّرْكِيبُ الْفَصِيحُ." القول الرابع: أن يكون مَعْطُوفا عَلَى الهاء فِي قَوْلِهِ: {وَكُفْرٌ بِهِ}، أَيْ: وَبِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَردَّ: بِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ. إلا أن الإمام أبا حيان اختار هذا القول ودافع عنه، في " البحر المحيط " (٢/ ٣٨٧ - ٣٨٩) حيث قال: " والذي نختاره أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ يُعَضِّدُهُ، وَالْقِيَاسَ يُقَوِّيهِ، [ثم ذكر شواهد كثيرة تؤكد وجود ذلك في السماع، ثم قال: ] وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَهُوَ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ وَيُؤَكِّدَ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ جَارٍّ، كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ جَارٍّ، وإذا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَطْفَ بِغَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ ثَابِتٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي نَثْرِهَا وَنَظْمِهَا، كَانَ يَخْرُجُ عَطْفُ: {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، عَلَى الضَّمِيرِ فِي: {بِهِ}، أَرْجَحُ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْكَلَامِ، وَفَصَاحَةَ التَّرْكِيبِ تَقْتَضِي ذَلِكَ." وتبعه فيه الإمام السمين الحلبي في " الدر المصون " (٢/ ٣٩٧)، وهو أيضا رأي الإمام الثعلبي في "الكشف والبيان " (٢/ ١٤٠). ورَد هذا الرأي أيضا الإمام الطيبي في " حاشيته على الكشاف " (٢/ ٣٧١) حيث قال: " لا يجوز لفساد ... المعنى؛ إذ لا معنى لـ: وكفر بالمسجد الحرام." وأجاب عليه الإمام السيالكوتي في " حاشيته على البيضاوي " لوحة (٣٤٨ / أ) حيث قال: " وفيه بحث؛ إذ الكفر قد ينسب إلى الأعيان باعتبار الحكم المتعلق بها، كقوله: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}." القول الخامس: واختاره القاضي البيضاوي (١/ ١٣٧): " تقدير مضاف معطوف على صَدٌّ، أي: وصد المسجد الحرام." ورد: بأن حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه بحاله مقصور على السماع. وأجيب: بمنع الإطلاق؛ ففي كتاب " شرح التسهيل لابن مالك " (٣/ ٢٧٠ - ٢٧١): " إذا كان المضاف إليه إثر عاطف متصل به، أو مفصول بـ (لا) مسبوق بمضاف مثل المحذوف لفظا ومعنى، جاز حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على انجراره قياسا، وإذا انتفى واحد من الشروط كان مقصورا على السماع." قال الإمام الألوسي في " روح المعاني " (١/ ٤٠٥): " وفيما نحن فيه سبق إضافة مثل ما حذف منه." أي تحقق شرط القياس. القول السادس: قيل: إن الواو للقسم وقعت في أثناء الكلام. ذكر هذا القول الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب " (٦/ ٣٩٠) ثم قال: " إِلَّا أَنَّ الْجُمْهُورَ مَا أَقَامُوا لِهَذَا الْقَوْلِ وَزْنًا."