رجال يثرب (التى سميت فيما بعد بالمدينة). وربما سهل عليه الوصول إلى اتفاق معهم وجود أقارب له فيها. من حسن الحظ أن لدينا معلومات عن الأحوال فى المدينة عشية ظهور الإسلام غير أنها لا تزال معلومات قليلة لا توفر إجابات عن الكثير من الأسئلة المهمة. غير أنه يمكننا أن نفترض أن كثرة عدد اليهود بها ساهمت فى إلمام سكانها العرب بفكرة التوحيد.
وما من شك مع ذلك فى أن أهل المدينة ما كانوا بالراغبين فى اجتذاب نبى (*) إليهم بقدر رغبتهم فى أن يكون بينهم زعيم سياسى يعيد تنظيم علاقاتهم السياسية التى حطمتها النزاعات القبلية البالغة ذروتها يوم بعاث والواقع أن المسئولية التى كان على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يأخذها على عاتقه كانت مسئولية رهيبة. إذ كانت تعنى أنه سيكون مسئولا عن أمن أتباعه وسبل عيشهم وهم الذين سيقطعون صلاتهم بقبائلهم وأسرهم وأنه سيتحمل المسئوليات الجسيمة الملقاة على عاتقه فيما يتعلق بمن سيهاجر معه من أتباعه، كما سيواجه التحدى ألذى تمثله محاولة تسوية النزاعات بين قبائل غير معروفة لديه إلى حد كبير ويحمل بعضها لبعض أحقادا قديمة.
وهنا نلمس مشكلة من أعقد المشاكل فى سيرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ألا وهى الازدواج الذى يواجهنا به. ذلك أن هذا المتحمس الملهم الورع الذى تركزت أفكاره أساسا حول يوم الحساب، والذى تحمل الإهانات والهجوم والذى لم يفكر إلا فى تردد ووجل فى احتمال المقاومة مقاومة إيجابية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} سورة النحل آية ١٢٦, مفضلا أن يترك كل شئ لإرادة اللَّه يصنع ما يشاء، وأنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] دخل بهجرته إلى المدينة مرحلة دنيوية ظهر فيها سياسيًا عبقريًا فذا. غير أن النقطة الفاصلة هنا هى أن أهل المدينة ما كانوا بكل تأكيد ينشدون
(*) فى الأصل "مصلح دينى ملهم" وهذا نموذج لمصطلح نرى تأثر كاتب المقال فيه بما ساد عصور الإصلاح الدينى فى أوربا فى العصور الوسطى فى حين أن مفهوم النبوة أعم وأشمل من ذلك. [هيئة التحرير]