الأَرض ذاهِباً فِي أَهْلِ دِينِه؛ وذَنَبُه: أَتْباعُه الَّذِينَ يَتْبَعُونَهُ عَلَى رَأْيه، ويَجْتَنِبُونَ اجْتِنابَهُ مِنَ اعْتزالِ الفِتَنِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ضَرَبَ أَي ذَهَبَ فِي الأَرض؛ يُقَالُ: ضَرَب فِي الأَرض مُسافِراً، أَو مُجاهِداً. وضَرَبَ فلانٌ الغائطَ إِذا أَبْعَدَ فِيهَا للتَّغَوُّطِ. وَقَوْلُهُ: بِذَنْبِهِ أَي فِي ذَنَبِه وأَتباعِه، أَقامَ الباءَ مُقَامَ فِي، أَو مُقامَ مَعَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الضَّرْبُ بالذَّنَب، هَاهُنَا، مَثَلٌ للإِقامة والثَّباتِ؛ يَعْنِي أَنه يَثْبُتُ هُوَ وَمَنْ تَبِعَه عَلَى الدِّينِ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: أَراد بِقَوْلِهِ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بذَنَبه: أَراد بيَعْسُوب الدِّينِ ضعيفَه، ومُحْتَقَره، وذليلَه، فَيَوْمَئِذٍ يَعْظُم شأْنُه، حَتَّى يَصِيرَ عَيْنَ اليَعْسُوب. قَالَ: وضَرْبُه بذَنَبِه، أَن يَغْرِزَه فِي الأَرضِ إِذا باضَ كَمَا تَسْرَأُ الْجَرَادُ؛ فَمَعْنَاهُ: أَن الْقَائِمَ يَوْمَئِذٍ يَثْبُتُ، حَتَّى يَثُوبَ الناسُ إِليه، وَحَتَّى يَظْهَرَ الدينُ ويَفْشُوَ. وَيُقَالُ للسَّيِّد: يَعْسُوبُ قَوْمِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عليٍّ: أَنا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، والمالُ يَعْسُوبُ الْكُفَّارِ
؛ وَفِي رِوَايَةٍ الْمُنَافِقِينَ أَي يَلُوذُ بِي المؤمِنونَ، ويَلُوذ بالمالِ الكفارُ أَو الْمُنَافِقُونَ، كَمَا يَلُوذُ النَّحْلُ بيَعْسُوبِها، وَهُوَ مُقَدَّمُها وسيدُها، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه مَرَّ بعبد الرحمن ابن عَتَّابِ بنِ أُسَيْدٍ مَقْتُولًا، يَوْمَ الجَمل، فَقَالَ: لَهْفِي عَلَيْكَ، يَعْسُوبَ قُرَيْشٍ، جَدَعْتُ أَنْفي، وشَفَيْتُ نَفْسِي
؛ يَعْسُوبُ قُرَيْشٍ: سَيِّدُها. شَبَّهه فِي قُرَيش بالفَحْلِ فِي النَّحْلِ. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَقَوْلُهُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُسَيْدٍ عَلَى التَّحْقِير لَهُ، والوَضْعِ مِنْ قَدْرِه، لَا عَلَى التَّفْخِيمِ لأَمره. قَالَ الأَزهري: وَلَيْسَ هَذَا القولُ بِشَيْءٍ؛ وأَمَّا مَا أَنشده المُفَضَّلُ:
وَمَا خَيْرُ عَيْشٍ، لَا يَزالُ كأَنه ... مَحِلَّةُ يَعْسُوبٍ برأْسِ سِنَانِ
فإِن مَعْنَاهُ: أَن الرَّئِيسَ إِذا قُتِلَ، جُعِلَ رأسُه عَلَى سِنانٍ؛ يَعْنِي أَن العَيْشَ إِذا كَانَ هَكَذَا، فَهُوَ الموتُ. وسَمَّى، فِي حَدِيثٍ آخَرَ، الذَّهَبَ يَعْسُوباً، عَلَى المَثَل، لِقوامِ الأُمُورِ بِهِ. واليَعْسُوبُ: طَائِرٌ أَصْغَرُ مِنَ الجَرادة، عَنْ أَبي عُبَيْدٍ. وَقِيلَ: أَعظمُ مِنَ الْجَرَادَةِ، طويلُ الذَّنَب، لَا يَضُمُّ جَنَاحَيْهِ إِذا وَقَع، تُشَبَّه بِهِ الخَيْلُ فِي الضُّمْرِ؛ قَالَ بِشْر:
أَبُو صِبْيةٍ شُعْثٍ، يُطِيفُ بشَخْصِه ... كَوالِحُ، أَمثالُ اليعاسِيبِ، ضُمَّرُ
وَالْيَاءُ فِيهِ زَائِدَةً، لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلُول، غَيْرُ صَعْقُوقٍ. وَفِي حَدِيثِ
مِعْضَدٍ: لَوْلَا ظَمَأُ الهَواجر، مَا باليْتُ أَن أَكونَ يَعْسُوباً
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ، هَاهُنَا، فَراشَةٌ مُخْضَرَّةٌ تطِيرُ فِي الرَّبِيعِ؛ وَقِيلَ: إِنه طَائِرٌ أَعظمُ مِنَ الجَرادِ. قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنه النَّحْلةُ، لَجاز. واليَعْسُوبُ: غُرَّةٌ، فِي وجْهِ الْفَرَسِ، مُسْتَطيلَةٌ، تَنْقَطِعُ قَبْلَ أَن تُساوِيَ أَعْلى المُنْخُرَيْنِ، وإِن ارْتَفَعَ أَيضاً عَلَى قَصَبة الأَنف، وعَرُضَ واعْتَدلَ، حَتَّى يُبَلِّغَ أَسفلَ الخُلَيْقَاءِ، فَهُوَ يَعْسُوب أَيضاً، قلَّ أَو كَثُر، مَا لَمْ يَبْلُغِ العَيْنَيْنِ. واليَعْسُوبُ: دائرةٌ فِي مَرْكَضِ الفارِسِ، حَيْثُ يَرْكُضُ بِرِجْلِهِ مِنْ جَنْبِ الْفَرَسِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا غَلَطٌ. اليَعْسُوب، عِنْدَ أَبي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ: خَطٌّ مِنْ بَياضِ الغُرَّةِ، يَنْحَدِرُ حَتَّى يَمَسَّ خَطْمَ الدَّابَّةِ، ثُمَّ ينقطعُ. واليَعْسُوب: اسْمُ فَرَسِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.