وأما كاتب التدبير فهو أعظم الكتاب مرتبة، وأرفعهم منزلة، لأنه كاتب السلطان، الذي يكتب أسراره، ويحضر مجالسه، وهو الذي يدعى وزير الدولة المرجوع إليه في جميع أنواع الخدمة. وهذا الكاتب أحوج الكتاب المذكورين، إلى أن تكون له مشاركة في جميع العلوم بعد إحكامه لما يحتاج إليه في صناعته. وينبغي أن يكون أكثر عمله التواريخ، وأخبار الملوك، والسير والدول، والأمثال، والأشعار، فإن الملوك إلى هذه الأنواع من العمل أميل، وهم بها ألهج. وقلما يميلون على إلى غير ذلك من العلوم.
وبالجملة: ينبغي لهذا الكاتب أن يجرى إلى تعلم الأشياء التي يعلم أن رئيسه يميل إليها، ويحرص عليها، وأن يتجنب كل ما ينكره الملك وينافره، فإن ذلك يحببه إليه، ويحظى بمنزلته لديه. ويدعو الملك إلى الإيثار له والتقريب، والإغضاء على ما فيه من العيوب، فقد روى أن زياداً أخا معاوية، عوتب في تقريبه لحارثة بن بدر الغدافي، وكان قد غلب على أمره، حتى كان لا يجب عنه شيئاً من سره. فقيل له: كيف تقربه وأنت تعلم اشتهاره بشرب الخمر؟ فقال: كيف لي باطراح رجل كان يسايرني حين دخلت العراق، ولم يصلك ركابي ركاباه، ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه، ولا تأخر عني فلويت عنقي إليه، ولا أخذ على الشمس في شتاء قط، ولا الروح، في صيف قط. ولا سألته عن علم إلا ظننت أنه لا يحسن غيره.
وإذا اجتمع للكاتب مع التفنن في المعارف، والعلوم، والعفاف، ونزاهة النفس عن القبائح، فقد تنهي في الفضل، وجاز غاية النبل، إن شاء الله