والإفراط، لا يصلح هاهنا، لأن الممدوح لا يمدح بأنه لا يكثر العطاء، وإنما يمدح بأنه يكثر ويفرط. ولذلك يشبه الشعراء الممدوح بالبحر والمطر، ألا ترى إلى قول حبيب:
له خلق نهى القرآن عنه ... وذاك عطاؤه السرف البدار
فلما استحال أن يحمل البيت على هذا، حمل على أنه أراد السرف الذي معناه الخطأ، ومعناه على هذا أنهم لا يخطئون فيضعون النعمة في غير موضعها، وهذا نحو قول الآخر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى تصيب بها طريق المصنع
وذهب يعقوب إلى أن السرف في هذا البيت بمعنى الإغفال. وحكى أن إعرابيا واعد قوما في موضع، ثم أخلفهم، فلاموه على ذلك، فقال: مررت بكم فسرفتكم. وهذا نحو مما قال ابن قتيبة فمعناه على قول يعقوب أنهم لا يغفلون أمر من قصدهم، وعول على جودهم.
وأما أبو حاتم فتأول بيت جرير على السرف الذي هو الإكثار، وقال: معناه أنهم لا يستكثرون ما يهبون، ولكنهم يرونه قليلاً. فتقديره