المعقولة، التي لا تقع تحت الحواس، وليست بأجرام لا توصف بالوقوع تحت الزمان، وإنما توصف بأنها واقعة تحت الدهر، وأما البارئ تعالى فليس بواقع تحت دهر ولا تحت زمان. فهذا هو (الآن) على الحقيقة.
وأما (الآن) الذي يستعمل على المجاز، فهو الذي يستعمله الجمهور، وهو المستعمل في صناعة النحو. فإنهم يجعلون كل ما قرب من الآن الذي هو كالنقطة من الماضي والمستقبل آناً. فلذلك يقولون: هو خارج الآن. وأنا أقوم الآن. لأن الآن الذي بهذه الصفة، هو الذي يمكن أن تقع فيه الأفعال والحركات على الكمال. فهذان المعنيان هما المراد بالآن عند المتقدمين.
فأما أهل صناعة النحو العربي، فلهم في اشتقاقه والسبب الموجب لبنائه على الفتح كلام طويل. فأما اشتقاقه ففيه قولان:
أحدهما أن يكون مشتقاً من آن الشيء يئين: إذا حان، فالألف فيه على هذا منقلبه عن واو، كالألف التي في باب ودار، لأن آن يثين، الذي بمعنى حان، من ذوات الواو عندنا. وقد قيل: إنه من ذوات الياء. وسنتكلم عليه إذا انتهينا إلى موضعه إن شاء الله تعالى.
والثاني: أن أصله (أوان). واختلفوا في تعليله، فقال بعضهم: حذفت الألف منه، وقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وقال بعضهم: بل قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها. فاجتمعت ألفان ساكنتان، فحذفت الثانية منهما لالتقاء الساكنين. وكانت أولى بالحذف لأنها زائدة.