للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سرية واحد، وبعث رسله إلى الملوك إلى كل ملك واحد ولم تزل كتبه تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي فلم يكن أحد من ولاته يترك إنفاذ أمره، وكذا كان الخلفاء بعده" (١) ويقصد الإِمام الشافعي بقوله إنفاذ أمره ما يشمل العلم والعمل، يدل على ذلك ما أشار إليه من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعث رسله إلى الملوك يبلغونهم التوحيد وهم آحاد.

وفي هذا دلالة على أن الذين يفرقون بين العلم والعمل فيقولون خبر الواحد يثبت العمل ولا يثبت العلم يقعون في تناقض عجيب وهم لا يشعرون ذلك أن هذا الحديث -على سبيل المثال- تقوم به الحجة على أهل الكتاب من أهل اليمن، وهو مشتمل على الشهادتين وعلى فريضتين من فرائض الدين فإمّا يفيدنا العلم بما اشتمل عليه أو لا يفيدنا، فإن قالوا أفادنا العلم كفينا القول بالتفريق بين العلم والعمل، وإن قالوا لا يفيدهما فقد نفوا ما هو معلوم من إقامة الحجة على أهل الكتاب من أهل اليمن بخبر معاذ، وإن فرقوا فقالوا: لا يفيد العلم بالشهادتين -لأنها عقيدة- ويوجب العمل بالفريضتين تناقضوا واتبعوا مقالة لا نوافقهم عليها البتة ذلك أنه حديث واحد ثبت به مجموع الشهادتين والفريضتين وهما علم وعمل (٢)، ولا سبيل إلى التفريق بين هذا المجموع لا بشرع ولا عقل.

وبهذا نقطع بأن كل خبر عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تقوم به الحجة، ومجموع ذلك هو "الشريعة" لا فرق بين ما يسمونه اعتقادًا وما يسمون عملًا، قال الإِمام الشافعي في الرسالة: "الحجة في تثبيت خبر الواحد" وذكر أدلة كثيرة منها ما نحن بصدد الحديث عنه فقال: "وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن


(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١٣/ ٢٤١ وانظر الرسالة مسألة رقم ١١٥١ وما بعدها.
(٢) وهذا الذي ذكرته هنا تنزل على مذهب الخصم، وإلا فقد أبنت سابقًا عن حقيقة الأحكام العملية أنها لا بد أن تكون علمية إذ العمل فرع عن العلم والاعتقاد كما صرح بذلك ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ-، انظر ما سبق ص ١٦٠.

<<  <   >  >>