إن تحديد نشأة هذه المقالة ضرورة علمية ذلك لما قد تبين أن من الحق الذي لا ريب فيه كون الأدلة النقلية تفيد العلم، وعلى ذلك اتفاق السلف من الصحابة والتابعين، فمن أين إذًا جاءت تلك المقالة.
أمر آخر ضروري جدًا ذلك أن معالجة هذه المقالة تبدو للباحث كأنها عسيرة لكثرة انتشار هذه المقالة في كتب الأصول وغيرها. ومما يساعد على الوصول إلى نتيجة مرضية تسهّل على كثير من الباحثين مراجعة صحة هذه المقالة أن نحدد نشأتها (١)، ذلك أن اعتبار الشريعة لأمر من الأمور يلاحظ فيه شأن من تكلم فيه وأظهره، فظهور السنة على يد مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة يسهّل على النفس قبولها مهما عارضتها العوارض ووقفت في وجهها العوائق، ونشأة أمر حادث معارض للسنة على أيدي أهل الأهواء والزنادقة والفلاسفة المنكرين للرسل والرسالات يهوّن على النفس رفضه مهما خُدعت به الأقلام وإن عظمت، وسارت به الكتب في الآفاق وإن كثُرت، ومن جهة أخرى يهوّن على
(١) ويختص البحث هنا بتحقيق هذه المسألة لتقوية الأدلة وإبعاد شبهة الظنية عنها وإعمالها بدون أن نشترط شروطًا زائدة على صحة السند وسلامته من الشذوذ والعلة، ويكفينا في ثبوت الدليل الشرعي تلقي الأمة له بالقبول لنحتج به ونقويه، أما تتبع الآثار التي ترتبت على القول بظنية أدلة الكتاب والسنة فهذا يحتاج إلى رسائل أخرى متخصصة وإن مد الله في الأجل حاولت قدر جهدي تتبع آثارها في أصول الفقه إن شاء الله.