هذا ما يسر الله لي تحريره من أجوبة العلماء الذين ناقشوا طريقة المتكلمين وقد تبين من أجوبتهم أنها تدل على علم راسخ يدعمه البرهان الشرعي والعلم بلغة العرب، ومنهجهم في الاستدلال منهج متميز يبتعد عن الإِطلاقات والاحتمالات المجردة عن الأدلة وعن الفرضيات التي لا برهان عليها، وأسلوبهم في الأداء تطبيقي على مفردات الآيات ومفردات اللغة وسهل ميسر للفهم ومجاف لأسلوب المتكلمين العقلي التجريدي وسنؤكد على ذلك بعد قليل.
وبهذا يتبين لنا أن رفع القطعية عن العمومات الشرعية لا موجب له، مع أنه مخالف لكلام العرب ومؤد إلى التلبيس ومخالفة السلف كما صرح به الشاطبي (١)، وقولهم ما من عام إلا وخصص لا يصح، فلم يبق عندهم إلّا القول بكثرة تخصيص العمومات وهذا -إن سلمناه- لا يوجب المصير إلى مقالتهم، لأن وجود هذه الكثرة يقابلها وجود كثرة مثلها في عمومات لم تخصص، فما الذي رجح اعتبار إحدى الكثرتين، فيبقى الأمر كما قال الحنفية وإلا ارتفع الأمان عن اللغة ووقع التلبيس، أما إذا اعتبرنا منهج الإِمام الشاطبي وابن تيمية ونصرناه فإن ذلك أقوى في إسقاط طريقة المتكلمين، ذلك لأن طريقتهم مبنية على التجريد العقلي، والتجريد اللغوي وإغفال المقاصد اللغوية والشرعية، وقبل أن نذكر جواب الإِمام الشاطبي أذكر الدليل على ما قلته آنفًا -من أنهم اتبعوا التجريد العقلي والتجريد اللغوي .. وذلك يُعرف بتحليل طريقة المتكلمين وبيان الفرق بينهما وبين طريقة الشاطبي.
الفرع الرابع
تحليل طريقة المتكلمين وبيان الفرق بينها وبين طريقة السلف كما يمثلها الشاطبي
ونبدأ بتحليل موضعين اثنين:
الأول: تحليل جوابهم عن اعتراض الحنفية عليهم بأن مقتضى قولهم ما من عام إلا وخصص مؤد إلى التلبيس ورفع الأمان عن اللغة.