للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك أمثلة أخرى ذكرها شيخ الإِسلام (١)، وهذه العمومات الكثيرة استخرجها من آيات معدودة من سورة الفاتحة وأول سورة البقرة ثم قال: "فالذي يقول بعد هذا: ما من عام إلا وقد خص إلا كذا وكذا، إما في غاية الجهل وإما في غاية التقصير في العبارة، فإن الذي أظنه أنه إنما عني "من الكلمات التي تعم كل شيء، مع أن هذا الكلام ليس بمستقيم، وإن فسر بهذا، لكنه أساء في التعبير أيضًا، فإن الكلمة العامة ليس معناها أنها تعم كل شيء وإنما المقصود أن تعم ما دلت عليه أي ما وضع اللفظ له وما من لفظ في الغالب إلا وهو أخض مما هو فوقه في العموم وأعم مما هو دونه في العموم والجميع يكون عامًا" (٢).

وهذا هو العموم الاستعمالي الذي بينه الشاطبي وهو يوضح معنى قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (٣).

وكما نص الشاطبي على أن قولهم "ما من عام إلا وقد خص" مناف لكلام العرب فكذلك نص ابن تيمية حيث قال: "ثم عامة كلام العرب وسائر الأمم إنما هو أسماء عامة" (٤).

وهذا الأخير هو من معنى ما أجاب به الحنفية -عن طريقة المتكلمين- حيث قالوا إن الألفاظ العامة -في كلام العرب- لو قلنا إنها تحتمل التخصيص بدون قرينة لارتفع الأمان عن اللغة فلا يستقيم ما يفهمه الناس من خطاب الشرع -وعامة خطابه عمومات- ولما استقام قول السيد كل عبد لي فهو حر، فاحتمال التخصيص مؤد إلى التلبيس (٥).


(١) مجموع الفتاوى ٦/ ٤٤٢ - ٤٤٣.
(٢) المصدر السابق ٦/ ٤٤٥.
(٣) انظر ص ٣٢٢ وقد احتاج أكثر الأصوليين إلى تخصيصه بالحس، وعلى طريقة ابن تيمية والشاطبي لا نحتاج إلى القول بالتخصيص.
(٤) المصدر السابق ٦/ ٤٤٥
(٥) تخصيص العام ٤٢، وانظر التحرير وشرحه ١/ ٢٦٨.

<<  <   >  >>