للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه المادة لا بد من المحافظة عليها تمامًا كما نحافظ على خصوصيات الألفاظ

لأنها مصدر وشاهد، فما خالفها من القياس فهو باطل.

ومن هنا تأتي خطورة الجمود على خصوصيات الألفاظ، أو الإِغراق في اتباع المعاني وإهمال خصوصيات الألفاظ، ولذلك قررت طريقة ابن القيم والشاطبي لأنها تمثل الوسط والعدل في إعمال القياس الشرعي، كما عمل به الصحابة - رضوان الله عليهم - (١).

وننتقل إلى معنى آخر مهم جداً ألا وهو الأمر الثاني وهو: هل القياس مسلك عقلي أم منهج شرعي؟

المطلب الثالث

القياس منهج شرعي لا مسلك عقلي

ومعنى ذلك أن القياس أداة شرعية محكومة بالضوابط الشرعية فلا يتصور أبداً أن تخرج عنها إلّا إذا رُفعت عنه صفة "الشرعية" وحينئذ لا تلزمنا نتيجته.

أما إذا كان مسلكًا عقلياً فمعنى ذلك أنه حاكم على الشرع ويأخذ صلاحيته من صلاحية النظر العقلي، فإذا حكم العقل بشيء أصبح حكمه حجة وما يعارضه -وإن كان من الشرع- لا عبرة به، فإذا كان القياس مسلكاً عقلياً فقد خرج حينئذ عن الالتزام بضوابط الشرع لأنه حجة مستقلة بنفسه، هو فيها حاكم ورائد، فإذا كان الأول أخذناه المأخذ الذي حددنا سماته في أول الباب وعرفنا ضوابطه وكيف يتحقق من خلالها الشمول والثبات، وهو لا يأتي حينئذ إلّا بخير، لأن قاعدة المنهج الشرعي هي الإِعجاز كما بيناه سابقًا، وهذا الإِعجاز من سمته الثبات والشمول وهو متحقق في باب القياس، فالنصوص يستفاد منها في تتبع معانيها ويكون منها المصدر والشاهد في الوقت نفسه ويستمر هذا الاستثمار ولا ينقطع أبداً، كل ما جاء جيل من أجيال البشرية - وهو مهتد


(١) هناك أئمة كثيرون يمثلون منهج الوسط في العمل بالقياس بين المانعين والمتوسعين، وقد اقتصرت على ذكر ما قاله ابن القيم والشاطبي للأسباب المذكورة سابقاً. انظر ما سبق ص ٣٧٥.

<<  <   >  >>