-مع ما ذكرناه في التعليل بالحكمة- تجمع بين المحافظة على الثبات والشمول في آن واحد، وهذه الطريقة تجمع بين خصوصيات الألفاظ واعتبار معانيها منفردةً ومجتمعةً فلا هي تقف عند خصوصيات الألفاظ، وتجمد عليها وتهمل اعتبار المعاني - ومن صنع ذلك لم يدرك شمول الأحكام القياسية ولم يستفد من مدلول النص الاستفادة المطلوبة، ولم يسهل عليه حصر الوقائع في أشباه متقاربة وإدخالها تحت أحكامها الشرعية عن طريق حمل "الفرع" على "الأصل" وعسر عليه الخروج عن التناقض والاضطراب ووقع في الحرج - ولا هي تتبع المعاني معرضة عن الالتفات إلى خصوصيات الألفاظ فإن ذلك يوجب رفع الضوابط الشرعية، لأنها لا تعرف من تتبع المعاني وحدها، بل تعرف من مجموع خصوصيات الألفاظ، واعتبار المعاني، فإذا اعتبرنا المعاني الشرعية فإن هذا الاعتبار وإن كان مطلوبًا إلّا أن تحديده ومعرفة مداه لا بد له من ضابط يحفظه من اتباع مجرد الحكم والأوصاف الملغية والمعاني التي يظنها الناس مصالح وهي في حقيقتها مفاسد، والضابط في الحقيقة هو خصوصيات الألفاظ، فإذا علمنا أن مايظنه المجتهد معنى شرعياً - يخالف نصاً شرعياً حكمنا عليه حينئذ بأنه ليس من المعاني الشرعية التي يعمل بها، فخصوصيات الألفاظ ركن ركين يجب اعتباره فهي الشاهد بالصحة والسلامة أو بالفساد على اجتهاد المجتهد، فقد يظن أن هذا الأمر مصلحة - إذا تتبع المعاني الشرعية كما يفهمها - وهنا تحتمل صحة اجتهاده أو خطأه، فإذا رجعنا إلى خصوصيات الألفاظ فلم نر تصادمًا بينها وبين اجتهاده علمنا أن تتبعه للمعاني معتبر شرعاً، فالقياس هو العمل بمجموع الأمرين معاً، "الأصل ثابت الحكم" و"العلة" ثابتة والحكمة المعتبرة في معناها، وخصوصيات الألفاظ معتبرة والمعاني متبعة، فيوصل المجتهد مقصد الشارع إلى "الفرع" في صورة حكم محدد، فالمعاني مادة تصل بين الفرع والأصل، وخصوصيات الألفاظ مصدر وشاهد، منه يستقي المجتهد وعليه يصحح اجتهاده فإن عاد اجتهاده على الأصل بالإِبطال فاجتهاده باطل، وكذلك "الإِجماع" يعتبر أصلًا وهوفي حكم "النص" لا بد من المحافظة عليه، لأن الإِجماع لايكون إلّا عن نص -كما سيأتي في باب الإِجماع- فهو معصوم كما أن النص معصوم، فكما يكون النص مادة القياس تكون ثمرته التي هي الحكم المجمع عليه كذلك،