محصورة من حيث إمكان تحديد أوجه الشبه بينها -حتى وإن لم يكن حصرها من حيث كونها جزئيات ووقائع- وإذا لحظنا المشابهة وهي أمر مسلم به لأن أفراد البشر يشتركون في طبيعة الإِنسان عقلاً وروحاً وجسدًا، ويشتركون في تفاعلهم مع هذا الكون من حولهم، ويتتابع عليهم -في الجملة- الليل والنهار والشمس والقمر وفصول السنة، ويقع عليهم تشابه كبير في متاجرهم ومصانعهم وفي تعاملهم مع غيرهم، وترد عليهم الأمراض المتشابهة، والأحزان المتماثلة، وأفراحهم متقاربة، نعم يختلفون بعد ذلك في المنهج الذي يلتزمون به .. ويبقى بعد ذلك وقوع التشابه في ذلك كله في الجملة، وهذا يعني أن جميع الوقائع والأحوال تأخذ من التشابه فيما يتصل من الأحداث والوقائع بحياة البشر في جميع تلك الأمور -وإن لم يمكن حصرها من حيث الجزئيات- إلّا أنه يمكن حصرها من حيث التشابه وهذا هو المقصود، فإذا كانت محصورة -وهي كذلك- أمكن ربط المتشابهات والمتماثلات بالأصل الشرعي المشابه لها، فتضيق تلك الدائرة التي يُظن أنها لا تنحصر أبداً لتصبح هي في ذاتها محصورة وذلك على مرحلتين:
الأولى: أن وقائع البشرية وأحداثها ترجع إلى طبيعتها المتشابهة في جميع أقطار الأرض، فهي على سعتها تضيق حتى يمكن جمع أطرافها وجزئياتها عن طريق رد المتماثلات إلى بعضها البعض، فإذا هي وقائع وأحداث يمكن حصرها.
الثانية: أخذ هذه الوقائع والأحداث وربطها بالأصول الشرعية كل حسب ما يشبهه.
ويتحقق لنا هذا الشمول ونحن محافظون على الثبات لأننا لم نعمل الأصل ونستفد منه بغير ضابط، بل لاحظنا الضابط الشرعي وحددناه من خلال التعرف على موقف الشرع منه، فوجدنا أن اتباع العلة والحكمة بشرطها هو الضابط فتمسكنا به، ولم نتعده إلى التعليل بمطلق الحكمة، والضوابط هي أداة الثبات كما يتبين ذلك من خلال موضوعات البحث جميعها، فأداة القياس الشرعي على الصورة التي قدمناها وهي الوسط بين مسلك المتوسعين والمانعين