للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرع الثاني

المناقشة

إن مما أناقش فيه هذين الباحثين أمرين مهمين:

الأول منهما: أن المصلحة - التي أخذ بها فقهاؤنا واشترطوا شروطًا لسلامة الأخذ بها هي المصلحة المرسلة (المطلقة من كل قيد إلّا قيد النفع). وأسندا العمل بالمصلحة المرسلة إلى الإِمام ابن القيم ومن قبله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ومما ذكر من الأمثلة عدم قطع الأيدي في الغزو وعدم إنكار المنكر إذا أدى إلى مفسدة عظيمة .. وإسقاط الحد عام المجاعة.

الثاني منهما: إن الأحكام المدنية في الغالب غير منزلة على وقائع الكليات المقررة بمكة، وأن تلك الأحكام الجزئية التي نزلت بالمدينة تخالف الكليات المكية من حيث البقاء والتبدل، هكذا على الإِطلاق.

مناقشة الأمر الأول:

نبدأ في المناقشة في هذا الموضع من حيث انتهينا سابقًا حيث تقرر أن ما قيل عن "تغير الأحكام بتغير المصالح والأعراف والعادات والأزمنة" ليس مبنيًا على أساس علمي، وحاصل ما عند القائلين به أنه "قاعدة" حدثت عند نشوء المجلة العدلية، وكان يكفيهم ذلك، لو أنهم تريثوا وتساءلوا لمَ لمْ ينص السلف على أنها قاعدة؟ وحينئذ سيعلمون الجواب الذي سيحملهم على إعادة النظر فيها والتعرف على حقيقتها، غير أنهم لم يصنعوا شيئًا من ذلك، بل سارع بعضهم إلى محاولة إضافة معناه إلى فقه السلف، وقد تبين لنا بما فيه الكفاية، أن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يغيروا الأحكام ولم يبدلوها، وبقي هنا أن نناقش ما نسب إلى ابن القيم سواء من هذين الباحثين أو من غيرهما (١)، ونقول هنا كما قلنا من قبل إن إطلاق المصلحة من ضوابطها مخالف لوضع الشريعة ولفهم


(١) أكرر ما قلته سابقًا من أن العبرة بالمناقشة ليست هي معالجة رأي هذا الباحث أو ذاك، بل هي أعم من ذلك، تتبع الفكرة حيث كانت ..

<<  <   >  >>