وإما أن يكون شرعياً ولا منافاة حينئذ، ولكن لابد من تفسير لعمل العقل في القياس وهل إدراكه لكون الفرع محلاً صالحاً لنقل الحكم إليه يوجب أن يكون القياس حكماً عقلياً أم لا يوجب ذلك.
وبدراسة هذين الأمرين وبيانهما يكون الجواب وبالله التوفيق، ويتجلى لنا مفهوم الثبات والشمول من ناحية الأحكام القياسية.
المطلب الثاني
التعليل بالحكمة (١) وأثره على ثبات الأحكام وشمولها
تبين لنا كيفية دلالة القياس على الثبات، وذلك لأن كلًا من الأصل وحكمه ثابتان وعلة الحكم ثابتة لأنها ظاهرة منضبطة، أما الحكمة فقد وقع الاختلاف بين الأصوليين في جواز التعليل بها، ويرجع خلافهم إلى سبب جوهري وهو كون "لحكمة" تارة تظهر وتنضبط وتارة لا تظهر ولا تنضبط، فمن اشترط ظهورها وانضباطها - كما اشترط في العلة - لم يعلل بها والحال عنده أنها لا تنضبط ومن لم يشترط علل بها أيضاً واكتفى بتضمين الحكمة لجلب المصلحة ودفع المفسدة، وهناك رأي ثالث ارتبط بظهور الحكمة وانضباطها أو عدم ذلك فإن ظهرت وانضبطت علل بها وإن لم تظهر وتنضبط لم يعلل بها.
وهذه الآراء الثلاثة لها تأثيرات على معنى الثبات والشمول في الأحكام التي يجري فيها القياس.
ولبيان صلة كل رأي بما نحن فيه أقول: إن منع التعليل بها مؤد إلى المحافظة على ثبات الحكم إذ أنه لا يقع حينئذ اختلاف ولا تغيير إذا لم نربط الحكم بها - وفي هذا سد للتعليل بها سواء انضبطت أو لم تنضبط.
(١) الحكمة هي الأمر المناسب الذي تضمنه الوصف الظاهر، فالعلة في قصر الصلاة هي السفر، والسفر هو الوصف الظاهر المنضبط الذي رُبط به الحكم - وهو القصر - وحكمته هي وجود المشقة فيه غالباً، فإذا عمل المكلف بهذه الرخصة فإن الحكمة وهي جلب المصلحة ودفع المفسدة تتحقق له والمصلحة هي التيسير عليه، والمفسدة هي المشقة اللاحقة به، وسيأتي تفصيل مذاهب الأصوليين فيها إن شاء الله.