وضعت هذه الشريعة على الدوام والثبات .. والتزم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتداء به - منهجاً للاستنباط منها يحفظ مقاصدها ويعرّف الناس بها ويحافظ على ثباتها، ويحول بين الناس وبين الإِحداث فيها وتغيرها.
ونختم هذا الموضع بذكر نصيحة الإِمام الشافعي للمسلمين عامة - نتبعها ما ذكرناه من وصاة الشاطبي تأكيداً وإعانة على الخير وإيصاداً لأبواب الشبه التي أصابت كثيراً من الناس بسبب غفلتهم عن تلك النصيحة، يقول الإِمام الشافعي:"وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره: لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها.
فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة: نصيحة للمسلمين، والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه، وإدراك نافلة خير لا يدعها إلا من سفه نفسه، وترك موضع حظه، وكان يجمع مع النصيحة لهم قياماً بإيضاح حق وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله، وطاعة الله جامعة للخير" (١).
المطلب الثالث
الاعتماد على "العقلى واتباع المتشابه"
هذا من أكبر الأسباب التي أدت إلى الإِحداث في الشريعة وتغيير أحكامها، فأدخل فيها ما يضادها، وأخرج منها ما هو من صلبها فلا أدرك المتبعون لعقولهم و"المتشابه" لا ثباتها ولا شمولها، وخالفوا عن منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومن تابعهم على ذلك من فقهاء أهل السنة الذين يعتقدون أن الحاكم بإطلاق هو الله سبحانه، أما العقل فهو محكوم بالشريعة، فالمشرع واحد وهو الله، وكل ما سواه مخلوق في مقام العبودية وقد سبق تقرير هذا المعنى.