والأصل الشرعي -كما هو ظاهر- لا يقتصر على أن يكون نصاً شرعياً بل ويكون معنى شهد له نص معين أو مجموعة نصوص كما سيأتي بيانه وهذا هو قاعدة الشمول فإن جميع الحوادث والوقائع التي تجد للناس إما أن تدخل تحت نص شرعي أو تحت معنى شرعي أو تحت أصل مستنبط منهما، والبناء على أصل شرعي يزيد شمول الشريعة عمقاً ووضوحاً عند تحقيقها في عالم الواقع، ذلك أن الأصل الشرعي المستنبط يأخذه المجتهدون في كل جيل ويهتدون به، فهو لهم ضابط عن الوقوع في التغيير والتبديل، كما أنه معلم لهم وقاعدة يبنون عليها، فلا يزداد هذا الأصل مع مر العصور وتعاقب أجيال هذه الأمة إلّا قوة في الثبات وعمقاً في الشمول، وبهذه المعالم يُحفظ جهد المجتهدين ويُبنى بعضه على بعض، ويدركون به شمول الشريعة من جانب ومن جانب آخر يحول بينهم وبين تغيير الأحكام والوقوع في الابتداع، ويربط أجيال هذه الأمة برباط متين من خلال توحيد وتنمية جهد المجتهدين، وهذه أكبر سمات فقهاء أهل السنّة، أما المنحرفون عن هذه الشريعة من أهل الأهواء والابتداع فقد بنوا على غير أصل شرعي، واتبعوا أهواء الأمم الكافرة وطوائفها، وفرقوا دينهم ومناهجهم وقطعوا ما بينهم وبين الجيل الأول، وغيروا الشريعة بعقائدهم وأحكامهم الفاسدة ولم يدركوا ثباتاً ولا شمولاً، فانصرفوا عن الشريعة إلى ما يخالفها يبتغون غير الله حكماً، ويلبسون على الأمة دينها، فليس لهذه الشريعة عندهم معالم ثابتة تميزها عن غيرها، ولم يكفهم أن نزّلها الله عليهم، بل اتبعوا عقولهم القاصرة أضلتهم العجمة وأفسدهم سوء الفهم وأهلكهم الزيغ والانحراف.
المطلب الثاني
الجهل بلغة العرب
تقدم الكلام في أن المجتهد لا بد أن يكون في فهم لغة العرب كالعربي .. بحيث يعلم لغة العرب، وكيفية خطابها، فلا يخرج اللفظ عما وضع له ..
وإن لم يكن كذلك لم يجز له النظر في الشريعة، بل عليه الرجوع إلى أئمة