للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأسفله حتى انكسرت" (١). فترك هؤلاء الصحابة الخمر بخبر واحد، مع أنها كانت حلالًا لهم بيقين فترة طويلة من الزمن ولم يقل: "ولا واحد منهم نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله مع قربه منا، أو يأتينا خبر عامة" (٢) ولم يقولوا كيف نزيد على القرآن بخبر الواحد، كما أنهم لم يقولوا في تحولهم إلى الكعبة كيف نترك قبلتنا التي نصلي إليها هذه المدة الطويلة ونتبع هذه القبلة الجديدة بخبر واحد، لم يقولوا هذا ولا ذاك.

وقد استمرت هذه العقيدة وهي اتباع ما ثبت من الوحي في جميع أمور الدين، وتمسّك بها التابعون وأئمة السلف لا يغيرون فيها شيئًا أسوة بالجيل القدوة جيل الصحابة - رضوان الله عليهم -، وسنذكر بمشيئة الله اتفاقهم كما نقله العلماء الثقات على ما بيناه وبالله التوفيق.

المطلب الرابع

ذكر اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك كما نقله الثقات من أهل العلم

سنذكر في هذا المطلب ما يدل على أن الصحابة والتابعين على تلك العقيدة ولا يعلم منهم مخالف لذلك، قال الإِمام الشافعي: "ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته: جاز لي.


(١) فتح الباري ١٣/ ٢٣٢.
(٢) الرسالة رقم ١١٢٢، وهذا الذي قاله الإِمام الشافعي هو من السمات التي برزت في الجيل الأول وهي جدية الأخذ من الكتاب والسنة حتى وهم في حال الركوع أو في حال الشراب لا يتأخرون لحظة ولا يقدّمون عقولهم على أحكامهما ولا يتفلسفون على نصوصها، ومقاصدها كما صنعت الفرق ومن تأثر بهم من الأجيال المتأخرة فيضعون بين قلوبهم وبين مضمون النص حجبًا مكثفة من الشروط المحدثة حتى إذا وصل مضمونه إلى القلوب وصل اليها وهي فاترة متقلبة بين شتى الظنون والاحتمالات.

<<  <   >  >>