للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: تعلقهم حين الاستدلال بالوضع اللغوي دون الالتفات إلى مقصد الشرع واستعماله.

وسيكون تحليل هذين الموضعين في سياق متتابع الفقرات دون الفصل بينهما، اللهم إلا ببيان لمميزات طريقة الشاطبي وابن تيمية لأن الأمور تعرف بأضدادها.

وأبدأ بتحليل ما أجاب به المتكلمون عن قول الأحناف: "إن القول بالتخصيص للعمومات بدون قرينة يؤدي إلى رفع الأمان عن اللغة"، حيث اجابوا بقولهم: إن القرينة وإن لم تكن موجودة لكنها خافية علينا، وخفاؤها وفقدها لا يدل على انعدامها فلا يلزم من ذلك التلبيس ولا رفع الأمان عن اللغة، لأنا في الحقيقة عولنا على قرينة -في قولنا بالتخصيص للعمومات ومن ثم وصفها بالظنية- والقرينة موجودة وإن خفيت علينا وفقدناه (١).

وهذا تجريد عقلي محض، فكأنهم يقولون الأدلة العامة على الظنية لأنها تحتمل التخصيص، فإذا قلنا: لا بد من قرينة وهي مفقودة، قالوا وإن كانت مفقودة لكنها لم تنعدم.

وقارن بين هذه الطريقة في الاستدلال وبين طريقة المعتزلة ومن تابعهم من المتكلمين عند الاستدلال على بدعتهم من أن الأدلة النقلية ظنية، فقد استدلوا -كما ذكرنا سابقًا- بأن وجود المعارض العقلي قد أوجب ذلك، فإذا ثبت عندهم فقدان المعارض العقلي لم يقولوا أيضًا بأن الأدلة النقلية تفيد العلم، بل قالوا إنه وإن فُقِد لكنه لم ينعدم، فتبقى الظنية ملازمة للأدلة النقلية.

القائلون بظنية العمومات يدّعون بأن القرينة التي أدت إلى احتمال التخصيص منعت القول بالقطعية، وإن فقدنا القرينة لم تثبت القطعية لأن القرينة موجودة وإن فقدت.


(١) التحرير وشرحه ١/ ٢٦٨، تخصيص العام ٤٢.

<<  <   >  >>