للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن الشريعة في نفسها تفيد العلم بصرف النظر عن إدراك المجتهد لذلك أو تردده فيه، كما نقول عنها أنها ثابتة ومعصومة من أن يضيع من أحكامها شيء أو يفوت، ولا يلزم من ذلك أن يعلم المجتهد جميع نصوصها (١).

الثالث: أنا لو سلمنا أن الشارع وضع بعض نصوصه محتملة لمعاني متعددة لمصلحة العباد (٢) وذلك يقتضي تردد المجتهد في تعيين المقصود منها وهذا ينافي القول بأن الشريعة تفيد العلم.

فالجواب أن ذلك لا ينافي إفادة الشريعة العلم تمامًا كما نقول أن "الشريعة محكمة" مع أن "المتشابه" موجود فيها، فكما لا يمنع وجود المتشابه إطلاق لفظ "الإِحكام" على الشريعة فكذلك لا يمنع وجود الظواهر المحتملة القول بأن "الشريعة تفيد العلم".

وسواء قلت أن الشريعة قطعية كما قال الشاطبي، أو قلت أنها تفيد العلم -بالشرط المذكور- كما قال أئمة السلف، سواء قلت هذا أو ذاك، فإن الذي أقصد إلى تقريره في هذا المبحث قد اتضح -والحمد لله- ألا وهو قوة الأدلة النقلية على إثبات الحجة على الخلق في العقيدة وسائر الأحكام، وبهذا نستفيد من نصوص الشريعة كتابًا وسنة دون أن نفرق بينها أو نضعف نوعًا منها، وهذا من أهم قواعد الثبات والشمول، وسيأتي لذلك زيادة بيان عند الحديث عن طرق الاجتهاد إن شاء الله.

* * *


(١) انظر ما سبق ص ٧٠ - ٧١.
(٢) كان يقال أن النص يشتمل على معان كثيرة تحكم على أحوال وأوضاع كثيرة بحيث يجد المجتهد حكمًا لكل حال ووضع من خلال هذا النص، وقد تقدم الجواب عنه بالطريقة السابقة، وهناك طريقة أخرى وهي أن كثرة تلك المعاني تصير بعد الاجتهاد إلى معنى واحد يعلمه المجتهد فمآل الأمر في النهاية إلى أنه يقطع بتحديد معنى واحد فيعلمه، وهذا يؤكد أن الشريعة تفيد العلم في نفسها وعند المجتهد أيضًا، والعلم كما سبق وأن بينا يشمل اليقين واعتقاد الرجحان، فسواء علمه علم يقين أو علمه علم رجحان، كل ذلك يشمله اسم العلم على أن غيره يمكن أن يدركه على سبيل اليقين.

<<  <   >  >>