للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصاع في المصراة (١) وأشباه ذلك، لأن هذه الأحكام راجعة إلى حفظ الأصول الحاجية أو التحسينية أو التكميلية فما يُظن خاصًا في ظاهر الأمر هو في حقيقته عام (٢) لأن الشريعة جاءت بحفظ الضروريات وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل هذا معنى كونها عامة، أي جاءت بأحكام تشمل جميع تصرفات المكلفين، ولا يعكر على هذا العموم أن ورد فيها بعض الأحكام الخاصة، لأنّ هذه الأحكام جاءت لحفظ الحاجيات كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض والسفر.

وكل ما سبقت الإشارة إليه من الأمثلة إنما جاء ليخدم الضروري الذي هو الأصل، فالشريعة إذا ترجع إلى حفظ مقاصد الخلق (٣) وهذا معنى شمولها كما يقول الإِمام الشاطبي: "فلا عمل يفرض ولا حركة ولا سكون يدعى إلا والشريعة عليه حاكمة أفرادًا وتركيبًا وهذا معنى كونها عامة" (٤) فتصرفات الخلق وأحوال المجتمعات والجماعات إما أن تدخل تحت الضروريات أو الحاجيات والتحسينات، والشريعة جاءت بحفظ هذه المقاصد جميعًا.

الخاصية الثانية - الثبوت من غير زوال: "فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخًا ولا تخصيصًا لعمومها ولا تقييدًا لإطلاقها ولا رفعًا لحكم من أحكامها لا بحسب عموم المكلفين ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان ولا حال دون حال، بل ما أثبت سببًا فهو سبب أبدًا لا يرتفع وما كان واجبًا فهو واجب أبدًا، أو مندوبًا فمندوب، وهكذا جميع الأحكام فلا زوال لها


(١) المصراة هي الدابة إذا تركت حلبها، ويقال في ذلك صريتها تصرية - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ٤٠١. وفي البخاري من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصروا الإِبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر" انظر الفتح ٤/ ٣٦١.
(٢) الموافقات ١/ ٤١.
(٣) المصدر السابق ٢/ ٤ - ٥ - ٦.
(٤) المصدر السابق ١/ ٤١.

<<  <   >  >>