للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقي أن نفسر مسلكهم في رد السنة ونختار تحليل ابن تيمية لهذا المسلك وذلك قوله بأن الخوارج إنما ردت السنة لأنها تطعن في السند وهم الصحابة - رضوان الله عليهم - (١). وإلّا فإنهم يقبلون خبر الواحد العدل عندهم (٢).

ولهذا كله سأعتبر مسلك الخوارج مساعدًا على انتشار تلك المقالة، أما أنها نشأت عندهم فذلك لا أملك عليه دليلًا، وإليك تحليل شيخ الإِسلام لننتقل بعده إلى مرحلة أخرى.

يقول -رَحِمَهُ اللهُ- (٣): "ومعلوم أن عصر الصحابة وكبار التابعين لم يكن فيه من

يعارض النصوص بالعقليات، فإن الخوارج والشيعة (٤) حدثوا في آخر خلافة


= لم يستمر طويلًا إذ سرعان ما خف أثر ذلك المانع - لأن النفس لا تطيق الصبر على هذا المسلك - فاحتاج الخوارج إلى الجواب عن اعتراضات كثيرة ترد عليهم - كانوا يردون عليها بالرفض النفسي المطلق أول الأمر - ثم احتاجوا أن يردوا عليها بالعلم فكان أن اتجهوا صوب المعتزلة فتعلموا حينئذ من فلسفتهم وقالوا ببعض عقائدهم وهنا يمكن أن نقول أن طبيعتهم قربت من طبيعة المعتزلة وكان يمكن أن يرجعوا إلى طبيعة السلف الأول لو أخلصوا دينهم لله، ولكنهم قطعوا صلتهم بجماعة الصحابة لما لم يصنعوا ذلك، وما قلته في المتن إنما هو عن أول نشأتهم لا عن ما آل إليه أمرهم.
وانظر في اتباعهم بعض عقائد المعتزلة - مقالات الإسلاميين ١/ ٢٠٣ - ٢٠٤.
(١) وأقول هنا أن ذلك هو صنيع أئمة المعتزلة كما سيأتي بيانه في تراجمهم، وكان يكفيهم أن يسلكوا مسلك الخوارج في رد السنة، ولكن المعتزلة بتأثير الفلسفة اليونانية تجاوزت رد السنة إلى ترك دلالة القرآن باعتبار أنها ظنية، وهنا لا يمكنها الاقتصار على مسلك الخوارج، فلا بد من إضافة بدعة أخرى تمكنهم من نصرة مذهبهم وهي قولهم بانتفاء المعارض العقلي عن النص كتابًا وسنة حتى يمكن أن يفيد العلم وسيأتي بيان ذلك والجواب عنه.
(٢) انظر درء تعارض العقل والنقل ٥/ ٢٤٤.
(٣) المصدر السابق ٥/ ٢٤٤.
وهذا بخلاف المعتزلة - وسيأتي بيان شكهم في الأخبار مطلقًا ...
(٤) الشيعة فرق كثيرة:
وقد قدموا عليًا على صائر الصحابة ثم انقسموا إلى فرق كثيرة الغلاة منها خمس عشرة فرقة. انظر مقالات الإِسلاميين ١/ ٦٥ وما بعدها، وعد الشاطبي الغلاة ثمانية عشرة فرقة. انظر الاعتصام ٢/ ٢١٩.

<<  <   >  >>