للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنص ظاهر الدلالة على أن اعتبار حجة الخبر إنما يكون في حالة دون حالة ولا عبرة بصحة السند وعدالة رواته وحفظهم وضبطهم فإن ذلك وحده لا يكفي (١)، بل لا بد من الاستناد إلى حجة العقل وهي إثبات عدم إمكان التوافق والتراسل وذلك إنما يكون في بعض الأخبار، وحينئذ تثبت بها الحجة، أما النوع الثاني فلا تثبت به.

ونلاحظ هنا أنه لم يستعمل اصطلاح المتواتر والأحاد بما يشعر بأنه لم يكن معروفًا حينذاك، وتفيدنا هذه الملاحظة هنا أن رفع الحجية عن الخبر لا يقتصر على الأحاد بالاصطلاح المتأخر بل هو أوسع من ذلك، يدل عليه قوله: "إن كل خبر لا يمكن فيه التواطؤ فهو حجة" وخبر الواحد أو الجماعة التي تزيد عن الواحد يمكن فيه التواطؤ وحينئذ ترتفع عنه الحجية، ولذلك نجد المتكلمين تواضعوا - كما يقول القاضي ابن الباقلاني: "على تسمية كل خبر قصر عن إيجاب العلم بأنه خبر واحد، وسواء عندهم رواه الواحد أو الجماعة التي تزيد عن الواحد" (٢).

ولنا أن نلاحظ أيضًا أن قوله: "وما أمكن فيه ذلك فهو مطّرح" أن الاطراح يشمل عدم إفادته العلم والعمل معًا، لأنه لم يفرق في النص المذكور بينها، ولو كان يفيد العمل لما طرحه مطلقًا.

والحاصل أن هذا يعتبر من أول نصوص أهل الأهواء من ناحية اشتراط الإمكان وعدمه في صحة الخبر وحجيته، ونستفيد منه على وجه التحديد الأمور التالية:

١ - أن الاتجاه العقلي بدأ يتحكم في الأخبار الشرعية عند إمام المعتزلة.

٢ - أن النتيجة المترتبة على ذلك هو اطّراح جميع الأخبار ما لم يقرر


(١) وسلامته من معارضة ما هو أصح منه، كما كان الحال عند السلف الأول من الصحابة والتابعين.
(٢) كتاب التمهيد ص ٣٨٦ للقاضي أبي بكر بن الباقلاني - المكتبة الشرقية - بيروت ١٩٥٧ م، جامعة الحكمة ببغداد.

<<  <   >  >>